كانت ترتقب قطارها في محطة القطار حينما اقترب منها العاشق في أدب قائلا: «مرحبا بك أيتها الأميرة القادمة من بهاء الشمس».
التفتت إليه في دهشة:«أتعرفنى؟».
قال «هل حملتك مراكب الشمس في ذلك الصباح السعيد إلى أرضنا الترابية أم تعلقت بشعاع الشمس المرتحل في الفجر الوليد؟»
– قالت «كيف تخاطبنى وأنا لا أعرفك؟»
– قال «هذا حق. فالجميع يعرفون الشمس. يرتقبون بزوغها في شوق ويهتفون لموكبها حينما تسير. أما الشمس فكيف تبالى بعاشقيها وهى لا تكاد تشعر بهم».
قالت في دهشة: «أتعرفنى؟». قالت: «إذا كنت تقصدين اسمك وموضع سكنك فربما لا أعرفك، ولكن إذا كنت تعنين روحك الداخلية واسمك السرى وموطنك في بهاء الشمس فأنا حتما أعرفك».
قالت: «وماذا تريد؟». قال: «هل تأذن أميرتى في ركوب القطار؟». قالت «أى قطار؟». قال في رقة: «قطار يمر بذاتى. الحق أقول لك، لم تشرق شمسك على خير من تلك الجنة في صدرى. سهول شاسعة من اللون الأخضر. زهور حمراء وبيضاء وصفراء وزهور يصعب وصفها. وطيور صادحة ملونة بزينة الربيع. شذى ومسك وعبير. لهذا دعوتك إلى ركوب القطار».
قالت في تردد:«ومن أدراك أننى أريدك. اسمح لى لست الطراز الذي أريد».
قال في هدوء:«يقينا لن ترغبى في السفر إلى مدينة أخرى، أي مدينة في الأرض لها سحر عالمى! هي ما تمنى أفلاطون وتغنى به إليوت. هي أطلانطس المفقودة تلوح قلاعها الذهبية على بعد مسيرة ألف عام. هي الجزيرة التي بلغها السندباد ولم يفلح في العودة إليها حين غادرها ومات لوعة عليها».
القطار يسير
«انظرى إلى هذه الحقول الخضراء المترامية إلى آخر آفاق ذاتى، درجات لا حصر لها من اللون الأخضر. لا تتماثل أبداً ألوان النباتات وأحداق العيون. لو أحصيت أشجار الأرض فقد أحصيت في الوقت ذاته درجات اللون الأخضر. أيتها الأميرة القادمة من بهاء الشمس هل أخبرك عن شوق أشجارى لضيائك أم أحدثك عن لوعة عباد الشمس لفراقك؟
عما قليل سيمر القطار على بضعة أبنية مهدمة. إنها الجزء الشرير في نفسى، أرجوك أن تغمضى عينيك لأننى أخجل من هذا الجزء، لكنك تلاحظين أنه جزء بسيط جدا من ذاتى. أغمضى عينيك. أرجوك. حسنا فلتنظرى الآن إلى بحار الشوق الزرقاء في ذاتى وسفن العاشقين الذين يلوحون بمناديل مبللة برذاذ الدموع، وأصداف تهمس بالسر وزجاجات تحمل رسائل منسية بلغات اندثرت منذ عهد بعيد.
أيتها الحبيبة. هذه أرضى وتلك سمائى. شموس يخجلها بهاء وجهك وأقمار تسبح في أفلاك شمسك ونجوم تنتظم في در عقدك وكواكب ترتحل تلتمس أثرك. مسافات سحيقة لا يقطعها سوى العاشقين. وآه للعاشقين! ما قولك أيتها الأميرة القادمة من بهاء الشمس»؟
– قالت في نفور: «ما أسخف اللون الأخضر! لم أجد تليفزيونا فكيف أشاهد أفلام السهرة؟ أين السينما والمسارح أم ترانى سأتبتل في محراب ذاتك وأؤنس وحشة ليلى بمطالعة عينيك؟ لم أبصر متجراً لزينة السيدات وملابسهن فكيف تخال أننى سأهيم غراماً بما رأيت! وما هذا الكلام الفارغ عن إليوت وأفلاطون والسندباد؟ ما شأنى بهم!!