انشغلت جميع القوى السياسية خلال الفترة الماضية، بفكرة التحالف فيما بينها، باستثناء عدد قليل منها، ولا يحتاج الأمر لفهم أنها تحالفات انتخابية تستهدف الوصول للبرلمان، لا أكثر ولا أقل، وهى تحالفات، فى تقديرى، غير مفهومة وغير مبررة، فى ظل انتخابات تهيمن عليها الانتخابات الفردية (٨٠٪ من المقاعد) حيث يكون غالبا للتحالفات قيمة وأثر فى الانتخابات التى تجرى بالقوائم، والأهم من ذلك، فى مواجهة من ستكون هذه التحالفات، فى ظل غياب القوى الرئيسية التى كانت تواجهها هذه الأحزاب، كما أن ساحتنا السياسية لا تستطيع التمييز فيها بسهولة بين أحزاب يمينية وأخرى يسارية، فبداخل كل حزب أصلا هذا الخليط، سواء الأحزاب القديمة التقليدية مثل الوفد أو الأحزاب الجديدة التى ظهرت بعد الثورة مثل المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وجميع الأحزاب، فى مجملها، تقع فى منتصف المسافة بين يمين الوسط ويسار الوسط، لذا جاءت معظم التحالفات، على أسس شبه أخلاقية من ثورتى يناير ويونيو، ومن القوى التى ثارت عليهم الجماهير فى المرتين، فالحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى لديه استعداد للتحالف مع الجميع باستثناء الذين يرون فى ثورة يناير مؤامرة، والذين يرون فى ثورة يوليو انقلابا عسكريا، وحزب الدستور يرى أنه يستطيع التحالف مع كل القوى التى ستعمل من أجل أهداف يناير، مثل التيار الشعبى والتحالف الشعبى الاشتراكى والكرامة، والوفد ضد كل من هم «فلول» الحزب الوطنى، فالاتفاق العام، بعد غياب الإخوان، هو بالضرورة ضد من قامت عليهم ثورة يناير.
رغم ذلك، فإن هذه التحالفات، تكشف عن تمسك غالبية القوى السياسية برفض عودة النظام القديم، وعلى ما يبدو أن هذه هى معركة الانتخابات المقبلة، فهناك موقف واضح شيدته القوى المتحالفة ضد الأحزاب التى يتزعمها قادة الحزب الوطنى أو رجال النظام القديم (وهى بالمناسبة كثيرة)، بينما تتساهل كثيرا مع القوى التقليدية غير المتهمة بفساد النظام القديم مثل حزب المؤتمر بسبب رعاية عمرو موسى له والذى صبغ عليه طابع دولتى غير منفر، وهى أمور تكشف عن نضج لا بأس به لقيادات عدد من القوى السياسية الثورية التى باتت مقتنعة أن دور الحشد قد انتهى وآن أوان السياسة، وأن المرحلة المقبلة باتت تتطلب مواجهة ما ترفضه تحت قبة البرلمان، وربما من الأخبار الجيدة التى ظهرت من نقاشات هذه التحالفات، أن غالبية الأحزاب تعرف جيدا ماذا تريد من وجودها فى البرلمان.
الظاهر حتى الآن، أن المزاج العام للسياسة المصرية بات منحصرا بين من نستطيع أن نسميهم رجال الدولة، والساسة الذين ينشدون مواقف وسطية، وبالتالى صارت فرص اليمين الدينى (حزب النور) واليمين التقليدى المنحاز للماضى، فى التواجد فى أى تحالف ضعيفة، أو على الأقل هذا فى تقدير الأحزاب التى تدير التحالفات، لكن ذلك لا يعنى أن الأمورت ستسير وفقا لما قرروا، لأن هناك تحالفات غير مرئية ويصعب الإعلان عنها، وغالبا هى التى ستكون سندا للسلطة الجديدة، ومن المرجح أن يتشكل هذا التحالف عبر وصول شخصيات وطنية مخلصة عبر الانتخابات الفردية، وليس بالضرورة أن يجمعها حزب أو تيار، بل يكفى فكرة انحيازها للدولة، ولمن يدير الدولة، وتدعيم مواقف الدولة داخل البرلمان، خاصة ان الدستور الجديد جعل من نظام الحكم «خلطبيطة» صعبة الفهم والتطبيق حتى على من يحكم، فما بالك بمن يفكر فى المعارضة.