وائل عبدالفتاح يكتب | يحدث فى رمضان
رمضان هو الموسم الكبير، ليس فى الدراما فقط، ولكن فى تلخيص ما وصلنا إليه (دولة ومجتمعا). رمضان هو موطن الأكليشيهات التى يستبدل بها الناس الحياة.
موسم الغرق فى طقوس تبتعد عن معناها بمسافات/ فالزهد فى الطعام يتحول إلى شراهة/ والتضامن الاجتماعى يتحول إلى ابتزاز وسخافة وطوابير المنتظرين لعطف المحسن الكبير.
رمضان ماكينة ضخمة تنتج شيئا يشبه أزيز الكائنات الفضائية التى لا نراها… أزيز مثير لكنه يحجز فى الذاكرة مساحات لانتظار المرعب والمخيف.
أزيز وليس أكثر. غلظة تستعرض نفسها. وجهل فخور بنفسه.
ماكينة تدور ليستمر أصحابها… فى حسابات الثروة الوهمية… ثروة على الورق… وأموال بلا أصول… والأزيز يعلو صوته… والنجوم تتلألأ بعد أن أطفأت كل طاقتها المشعة داخلها…. وسوق يفرض سطوته وكتالوجه.
أهلا بك أنت فى ماكينة الاستهلاك الكبرى.
أهلا بك فى «السوق»، بارونات الماكينة الرمضانية يعرفون جمهورهم… يشبهون أصحاب صالات القمار يصطادون زبائنهم بغريزة لا تنفى مع المراحل الانتقالية…
يلهث البارونات خلف هذه الثروة من أزيز رمضان… لا يتعلق هذا الأزيز بمنتجات التليفزيون من دراما وبرامج وسخافات فقط.. ولكن من أفكار وتصورات واستعراضات بالتدين أيضا، فلا تفهم مثلا لماذا يعلو صوت الميكروفون فى المساجد…هل سيختلف هذا فى حساب العبادات بين الشخص وربه؟
أزيز… تبدو معه ماكينة الاستهلاك فى أقصى طاقتها… ماكينة تبتلع كل شىء… وتخرج أزيزها الجذاب. أزيز يلعب على تسليع كل شىء لكى يفقد ذاته. أخلاق تلغى الأخلاق، وأفكار تمنع التفكير.
ورغم تفشى هذه البضاعة طول السنة فإن رمضان موسمها الكبير. محاصيل وقرابين وإعادة تدوير أموال ونجوم وأفكار بلا عقل سوى استمرار عبادة الاستهلاك.. (استهلاك كل شىء… من التسلية إلى الدين.. من صحة الجسد إلى متعة الطبيخ… من الدراما والعواطف إلى التسول السخيف…) كل شىء فى رمضان قابل للاستهلاك، وفى دولة تقوم على الجباية والريع.. وتفرض إتاوات باسم التبرعات… تدور ماكينة رمضان بما يفوق مليار دولار (إعلانات..) تهدف إلى استمرار دوران الماكينات وتثبيت مواقع الشطار وتغيير خرائط الوعى عبر التحكم فى الميديا… مرآة رمضان الواسعة… حيث ترى المجتمع أو ما يراد للمجتمع أن يكونه.
الميديا أداة سيطرة ليس للنظام السياسى ولكن للدائرة المغلقة للثروة والسلطة/هم بارونات ديانة الاستهلاك… وكلما استطاعوا أن يثيروا شهوات (حتى لا يظهر التطرف فى التدين أو الخير) ويجعلوا الشراهة عنوان العلاقات، كانت السيطرة على الحكم مضمونة.
وهذه طقوس تقتل روح الإبداع لصالح انحطاط (وهو وصف لحالة ثقافية وليس مجرد شتيمة). الانحطاط هو المناخ الذى يجعل حكم العصابة طبيعيا… وجرائمهم حكمة.. وضيق أفقهم ذكاء… والأكثر رداءة نجمًا.. والأقل موهبة أعلى سعرا.. والأكثر فجاجة… داعية اجتماعية.
الانحطاط بمعناه الذى يقطع الصلة بين الواقع وكل من الماضى والمستقبل.. يجعلها لحظة معلقة تحت ضغط الغرائز والشهوات قوة الأمر الواقع… وفى وضع كهذا هل يمكن التفكير فى أننا ندور تحت تأثير الأزيز (الذى يعلو فى رمضان).. دوران يفوق حضرات الذكر… ويقترب من أن يكون غيبوبة… هل عدنا إلى الغيبوبة بديلا عن الحياة…؟
هل اقتحمك أزيز رمضان اليوم؟