أحمد الدرينى يكتب | يعني إيه «دولة»؟
كل ما أعرفه هو أنه حين يموت 21 شخصا لأي سبب كان، فإن هناك خلل كارثي.
سواء لقي الـ21 شخصا ربهم، بعد غرق مركب بهم أو بعد حادث تصادم أو بعد انفجار مخزن زخيرة وسط هجوم إرهابي على كتيبة في قلب الصحراء.
قبل قرون كانت «الدولة» اختراعا، وكانت صياغة معالم نظام حياتي شامل، سياسيا واجتماعيا، فكرة مازالت في طور التبلور.
عرفت الإنسانية الحضارات والممالك والإمبراطوريات، لكن شكل «الدولة» نفسه جاء قبل وقت قريب، ليصيغ واحدة من أكفأ طرق تعايش البشر سويا في نطاق جغرافي معين.
كنت أتساءل أثناء يناير، وفي يونيو وأعقابها..ماذا لو انهار كل شيء؟ ماذا لو تهاوت الدولة المصرية تماما؟ وماذا لو أعلنت الأجهزة الأمنية عن حل نفسها بنفسها؟ ماذا لو دبت الفوضى الشاملة في جسد الدولة المصرية المهتريء بطبعه؟
ولم أفكر طويلا إذا أن الجواب كان حاضرا في ذهني وبوضح..
ببساطة هنعمل (search) على الانترنت ونشوف إزاي ممكن نبني دولة!
الدولة قبل قرنين ربما كانت اختراعا، لكنها الآن «علم» متاح ويجيب عن معظم التساؤلات الكبرى تقريبا. فللنهضة خططها المجربة، وللانتعاش الاقتصادي تجاربه التي أثبتت كفاءتها وقدرتها، ولإحداث أي تغيير مجتمعي من أي نوع، هناك دوما مرجع ودليل وتجربة.
الأمر ليس مقامرة، ولا يحتاج عقولا ألمعية..الموضوع علمي جدا، ولا يحتاج لأي جهد سيزيفي تجريبي من أي نوع!
لو انهارت الشرطة المصرية تماما في أعقاب ثورة يناير وأعلن المسؤولون القدامى فشلهم في تدبر الأمور، كان الشباب الذين نظموا المرور بأنفسهم وحموا بيوتهم بعصي المقشات، هم الذين سيبحثون على الانترنت عن كيفية إنشاء نظام شرطي كفؤ..وكان سينشئونه!
الأمر ليس تبسيطا مخلا، وليس فهلوة..الموضوع ببساطة أن هناك إرث للبشرية جميعا متاح جزء ضخم منه على الانترنت، ويمكن الاستناد إليه. أما الدولة المصرية فتعيد اختراع العجلة وتحاول إنارة المصباح الكهربائي بنفس شغف وإمكانيات توماس آديسون.
هناك تجارب مثيلة لنكباتنا المحلية، مرت بها عشرات الدولة في قارات العالم المختلفة، وهناك «وصفة» مجربة للتعافي من كل نكبة، غير أننا نهوى الدوران حول أنفسنا في دوائر مغلفة.
يتحدث البعض عن خلل في التخطيط العسكري أفضى إلى استشهاد 21 مجندا في صفوف الجيش، بعد الهجوم الغادر على كمين الفرافرة، ويتطرق آخرون لخلل استخباراتي واضح في استطلاع هجوم بهذا الحجم قبل أن يحدث، وتتوالى التعليقات عن «فشل» الجيش في تأمين «الجيش»، وهو أمر مثير للحسرة.
ولا أود أن أتطرق بالحديث في غير تخصصي، غير أن الإنساني العام والشائع في مثل هذه الأمور، هو أن هناك دوما صيغة مثلى لتنفيذ المهام..مهام الدولة بكل قطاعتها، لكن لسبب ما مازلنا نرزح تحت نير فشل عام.
أداء الجيش في معسكر الفرافرة، لايفرق كثيرا عن أداء مستشفى المنيرة الحكومي ولا يفرق عن الطريقة التي تسعى من خلالها وزارة السياحة لاجتذاب السياح..هناك فشل عام يكلل مفاصل هذه الدولة.
ربما كان الجيش هو المؤسسة الأكثر تعافيا في هذه الدولة المتردية..ومن ثم فإن ما جرى أكثر إيلاما.
إذا كان الجيش المتماسك والقوي والكفء وصاحب المشاريع الكبرى والميزانيات الضخمة، ووريث الدولة المترنحة، والأفضل في مجاله القتالي بالترتيب 13 على مستوى العالم وفقا للمواقع العسكرية المتخصصة، قد أمكن تنفيذ عملية غادرة ضده على هذا النحو..فما بالك بباقي قطاعات الدولة؟
قابلنا كثيرا هؤلاء المصريين العائدين من الخارج بحزمة شهادات من أعرق الجامعات الدولية، لكن لا نعلم أبدا لماذا يختفون من المشهد العام ولا يستعين أحد بخبراتهم أو أفكارهم أو تجاربهم.
لماذا نفس المحافظون والوزارء هم المقدرون علينا؟ نفس الملامح البليدة والأجساد المترهلة والعقول البائسة..بل حتى نفس الأسماء، بتبادلات بينية طفيفة، كما لو كنا في نفس المستنقع لا نغادره أبدا، أو كأنهم شخص فاشل واحد تم استنساخه لكل محافظات البلد وكل وزارات الدولة!
الدولة ليست اختراعا..التنمية والتطور ليست أمرا غيبيا..كل شيء متاح، طالما كانت المعرفة متاحة!