أيمن الجندى يكتب | قرائن فى طريق الإيمان
كما أسلفت فإن إيمانى بوجود الله بديهة، وإيمانى بالإسلام إنما يقوم في المقام الأول على التوحيد. وما آمنت بـ«محمد رسول الله» إلا لأنه أعطى «لا إله إلا الله» حقها من التنزيه والتعظيم بما يليق بمقام إلهنا المعبود.
ومع أصل التوحيد توجد أيضا قرائن تدفعنى للإيمان بمصدر القرآن العلوى. منها أن العقيدة ولدت تامة منذ بداية التنزيل. منذ اللحظة الأولى أخبرنا القرآن بالمبادئ العامة: توحيد الله وتنزيهه جل في علاه- اليوم الآخر والحساب القادم- مهمة الرسول في البلاغ وليس قهر الناس على الإسلام- وجود الملائكة والكتب السماوية السابقة..إلخ. لم تتطور الفكرة مطلقا كما يحدث في الأعمال البشرية. إنك لا تشعر بفارق بين أول ما نزل من القرآن: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، وبين آخره: «إذا جاءك نصر الله والفتح». من الصعب أن تتذكر أن ثلاثة وعشرين عاما تفصل بين السورتين.
من قرائن إيمانى أيضا أن القرآن وعد الرسول بالنصر في أحلك المواقف. حين كان أهل قريش يسومون المسلمين سوء العذاب ويحاصرونهم ويجوعونهم ويكذبونهم والرسول غير قادر على حماية نفسه، ناهيك عن الدفع عنهم. من المدهش أنه في تلك الظروف كان وعد الله للرسول بالنصر قاطعا. وحينما كانت الدعوة متجمدة تماما، والرسول يعرض نفسه على القبائل فترفضه وتسىء الرفض، كان القرآن ينزل بآيات من قبيل: «سيُهزم الجمع ويولون الدبر»، «كتب الله لأغلبن أنا ورسلى»، «وليعلمن نبأه بعد حين» و«الله يعصمك من الناس».
من قرائن إيمانى أيضا أن الله يحب لعباده الهدى، ولكنه يقرر في اللحظة نفسها أن «من أهتدى فإنما يهتدى لنفسه». و«قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم مؤمنين». و«يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى ربكم والله هو الغنى الحميد». والمدهش أن يحدث عدم الاكتراث في الوقت الذي كانت الدعوة في أضعف أحوالها والجميع يتربصون بها من يهود ومشركين ومنافقين، ومع ذلك يقرر القرآن بوضوح أن نصر الله آتٍ بهم أو بغيرهم «ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه. والله الغنى وأنتم الفقراء. وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم». هذه الثقة التي لا يمكن فهمها إلا في ضوء الإيمان بمصدر القرآن العلوى.
لقد سحر القرآن الناس، منذ لحظة نزوله وحتى الآن. سحرهم بصرف النظر عن الإيمان به من عدمه وعندى في ذلك قصص مدهشة. أعرف مسيحيا مازال على عقيدته المسيحية ولكنه يحب القرآن ويرتاح لسماعه، لدرجة أنه أداره– وسط دهشة الحضور واستيائهم- عند موت أبيه. وراسلتنى أستاذة جامعية تركت الإسلام وصارت تمقته مقتا بالغا، وأذهلنى أنها قالت في سياق حديثها إنها لا تسمع سوى القرآن في السيارة من فرط تأثرها ببلاغته!
وسواء كانت البلاغة القرآنية المدهشة بسبب الصور الفنية الرائعة في القرآن أو بسبب نبرة «التأله» التي تليق بإلهنا المعبود، فمن منا لم يسحره القرآن! لقد صدق مالك بن نبى حين وصفه بـ«الظاهرة القرآنية». إننا أمام كتاب غيٌر تاريخ العالم ومازال يحدد مصيره. هذا التأثير العجيب على النفس، أيا كان سببه، هو من قرائن إيمانى.
ولكن ماذا عن الشبهات التي يرويها أعداء الإسلام عن الرسول! ماذا عن السيف والنساء! هذه الشبهات أناقشها إن شاء الله في مقال قادم.