فهمى هويدى يكتب | أسئلة المستقبل الحائرة
عقب زيارة استمرت نحو 8 ساعات للساحل الشمالى، أطلق خلالها المهندس إبراهيم محلب إشارة البدء للمشروع القومى الثالث الذى تتبناه الحكومة. وهو مشروع تنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى، قام رئيس مجلس الوزراء عقب عودته مباشرة للقاهرة بتفقد الأعمال فى «جراج التحرير». هذا الخبر وزعه مكتب رئيس الوزراء مساء يوم السبت الماضى 23/8. لكن صحف الأربعاء أضافت ان المهندس محلب سوف يتوجه خلال ساعات إلى الواحات لإعطاء إشارة البدء فى إنشاء طريق دالة ــ الفرافرة بطول 30 كيلومترا. باعتباره أول طريق تنموى يتم تنفيذه ضمن شبكة الطرق التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى بطول 4400 كيلومتر وتكلفة 23 مليار جنيه.
هذا نموذج لاخبار المشروعات الجديدة التى باتت تحفل بها الصحف يوما بعد يوم، وترسم صورة إعلامية للمستقبل مشرقة وشديدة التفاؤل. ليس الأمر مقصورا على المشروعات القومية الثلاثة التى أطلقت خلال الأسابيع الأخيرة (تنمية محور قناة السويس ــ المثلث الذهبى للتعدين فى الصحراء الشرقية ــ المخطط الاستراتيجى للساحل الشمالى). لأن وسائل الإعلام تحدثنا كل يوم عن شىء جديد، المليون مسكن التى ستمولها دولة الإمارات خلال السنوات الخمس القادمة. ــ إقامة عاصمة جديدة خارج القاهرة ــ استصلاح أربعة ملايين فدان ــ 1500 موقع لمدارس جديدة ــ تنمية مشروع توشكى ــ إنشاء 17 كوبرى (الكلمة تركية وأصلها كوبرو والاسم العربى لها هو جسر) ومراجعة 1407 جسور أخرى.. إلى غير ذلك من المشروعات التى تسعى لتحريك عجلة التنمية، ومعالجة أوجه القصور والإهمال التى عاشت مصر طويلا فى ظلها. وكلها تعبر عن رغبة أكيده فى الانجاز، وقدر هائل من النوايا الطيبة. وثقة شديدة فى النفس والمستقبل. وهى عوامل ايجابية لا ريب، إلا أنها تثير عديدا من الأسئلة، منها ما يلى:
• هل يعد ذلك من قبيل تشتيت الجهد والقتال على أكثر من جبهة فى وقت واحد، الأمر الذى قد يسحب من رصيد الإنجاز على الجبهات المختلفة؟
• أين درست تلك المشروعات وما هى الجهة التى تحدد أولوياتها؟ ــ صحيح أن أغلبها درسته حكومات سابقة، إلا أن توقيت تنفيذها فى مرحلة زمنية واحدة يحتاج إلى تمحيص ومراجعة للأولويات والإمكانيات؟
• هل يكفى أن يدرس رئيس الجمهورية الأمر، فيقضى 5 ساعات مع وزير التعليم ــ مثلا ــ ثم يعلن علينا بعد ذلك ان الكتاب المدرسى لن يزيد حجمه على 200 صفحة، وهل من المفيد أن يذهب الرئيس بنفسه بعد صلاة الفجر لكى يتابع الحفر فى القناة الموازية. وهل من عمل رئيس الوزراء ان ينتقل من اطلاق مشروع تنمية الساحل الشمالى، لكى يعاين إقامة جراج للسيارات فى قلب القاهرة. وأليس هذا كله من عمل آخرين ينبغى أن يباشروه وان يحاسبوا على التقصير فيه؟
• حين يتزامن إطلاق المشروعات الجديدة والكبيرة مع انقطاع التيار الكهربائى والقلق على مستقبل المياه فى مصر، وتعطل أكثر من أربعة آلاف مصنع عن العمل، ويتم ذلك فى ظروف عدم استقرار الأوضاع الأمنية والتوقف النسبى لحركة السياحة فى البلد، فإن التساؤل عن ترتيب الأولويات يصبح ملحا ومشروعا. ليس ذلك فحسب وانما قد يستدعى الأمر نظرا فى إصلاح الموجود وترشيد أدائه قبل الانطلاق والاستغراق فى مشروعات جديدة.
• أدرى أن هناك ثقة شديدة فى الدور التنموى الذى تستطيع أن تقوم به القوات المسلحة. لكننى أزعم أن لها مهمة أساسية أخرى ينبغى أن تعطى الأولوية فى اهتماماتها. وهذه المهمة تتركز فى الدفاع عن حدود الوطن والارتقاء المستمر بنوعية الأداء لكى تنهض بذلك الواجب على الوجه الأفضل. ولا بأس بطبيعة الحال أن تشارك فى التنمية إذا كان لديها فائض جهد. إلا أن التعويل الأساسى ينبغى أن يظل متجها إلى استنهاض قوى المجتمع وطاقاته الإبداعية، على مستوى الأفراد والمؤسسات.
• للأسف فإن غلبة الصوت الواحد وارتفاع مؤشرات التهليل حجبت الآراء التى عبرت عن تفكير آخر فى النهوض بالواقع المصرى، الذى لا يختلف عليه أحد كهدف، ولكن الوسائل التى تحققه قد تتعدد (كتابات الدكتور محمود عمارة فى جريدة الوطن تقدم نموذجا للأفكار التى تستحق النظر). ولا سبيل إلى حسم هذه الخلافات إلا عبر حوار يتم بين أهل الاختصاص يفتح الباب لتحقيق التوافق حول الأولويات والجدوى. ولا أعرف ان كانت الدعوة لمؤتمر يشارك فيه الخبراء والاقتصاديون المصريون قد فات أوانها أم لا. إلا ان الفكرة تستحق التفكير والنظر، على الأقل لكى يكتسب الأداء شفافية تقنع الرأى العام وتطمئنه.
• إن السؤال عن رؤية مصر الاستراتيجية فى وضعها المستجد بات مشروعا، بعدما بدا أن المسارات المتعددة والمتعاكسة أحيانا تدل على افتقادنا لتلك الرؤية. وقد كتب أحد زملائنا مقالة بذلك المعنى عبر فيها عن تشككه فى وجود تلك الرؤية وأمله فى ان يقتنع الرأى العام فى مصر بأن الأوضاع يديرها عقل استراتيجى يطمئن إليه (حامد السرجانى ــ المصرى اليوم ــ فى 9/8/2014).
أكرر أننى لا أشك فى توافر النوايا الحسنة، لكننا تعلمنا ان ذلك وحده لا يكفى، حتى قال لنا السابقون ان الطريق إلى جهنم ملىء بالنوايا الحسنة.