أيمن الجندى يكتب | لو أحبوا- فقط- أوطانهم
تُوّجت حفلة الزفاف بقبلة العروسين. سارا وسط الحضور وقد تعانق كفاهما وسط الزهور التى راحت تتناثر عليهم. وتعالى تصفيق الحضور وهم يودعونهم. تتسم حفلات الزفاف بالرقى والهدوء الذى يعم مصر حالياً. سيارة العروسين كانت موديلاً قديماً مُعتنى به. اعتاد العرسان الجدد أن يركبوا سيارات الخمسينيات فى حفلات الزفاف، لكن قلة فقط كانت تعرف سر هذا التقليد. إنه الوفاء للحقبة المباركة التى شهدت انطلاقة مصر إلى مصاف الدول الكبرى.
مضت السيارة تشق طريقها وسط طرقات فسيحة مزدانة بالأشجار المثمرة على الجانبين. منذ الستينيات تمت زراعة ملايين الأشجار المثمرة التى كانت ثمارها تتساقط فى الطرقات مُخلّفة رائحة عطرة مُعتّقة. وهبت نسائم الخريف فتمايلت الأغصان المثقلة بالزهور وكأنها تبارك العروسين بطريقتها الخاصة. سارت السيارة فى هدوء فى طريقها إلى شقة العروسين الفسيحة فى المنتجع الهادئ. والمارة القليلون على الجانبين يبتسمون ويتنزهون. سارت الأمور على ما يرام بعد أن قام ضباط الجيش بحركتهم المباركة. يقولون فى الكواليس إن الضباط الشباب فوجئوا بالسهولة التى تنازل بها الملك فاروق على العرش، وإن أحلاماً بالزعامة راودت أحد الضباط الشباب فى هذا الوقت «جمال عبدالناصر»، والذى امتد به العمر حتى شهد الألفية الثالثة. يقولون إنه ذهب إلى أحد كبار رجال القانون المشتغلين بالسياسة. واستطلع رأيه فى حكم الجيش، محاولاً أن يستغل خلافه القديم مع حزب الوفد. لكن الباشا حذره من غواية القوة. وألقى خطبة عصماء تبين خطورة تورط الجيش فى السياسة وتبعده عن مهمته الأساسية فى حماية الوطن. وحين استشهد الضابط بفساد الحياة السياسية قبل الحركة، فإن الباشا عزا السبب إلى تزوير الانتخابات وتدخل الملك. وقد سجل القانونى الكبير فى مذكراته أن الضابط الشاب استجاب له على الفور، وعاد الجيش إلى الثكنات بعد أن سلّم الحكم لحكومة منتخبة. وبالفعل استطاعت هذه الحكومة أن تدير الأزمة مع إسرائيل بحكمة وتمنعها من تعطيل خطط التنمية التى أعادت بناء مصر وجعلتها فى مصاف القوى الأقليمية الكبرى.
فى نفس هذا الوقت، وفى نفس هذا المكان، ولكن فى بعد آخر، تزوج نفس العروسين فى حفل صاخب بإحدى القاعات الرخيصة، وتعالت الأغانى الصاخبة وبدأ الرقص على واحدة ونص. لكن البهجة المفتعلة لم تحجب ذلك الخلاف الدامى الذى نشب بين أهل العروسين على (القايمة). لقد حاول والد العروس الوغد أن يُسجّل أسعارا خيالية لذلك الأثاث الرخيص الأشبه بكرتون مُقوٍ. وتبادلوا السباب وكاد الأمر يتطور للضرب. لولا تدخل العقلاء من أهل العروس الذين أعلنوا أنهم يشترون (رجل). ورقصت العروس بفستان زفافها المُستأجر والعريس الذى بدا على وجهه آثار سوء التغذية. وعند خروج العروسين من الحفل وركوبهما سيارة يقودها صديق العريس فإنه اصطدم فى غطاء بلاعة. الأمر الذى جعله يسب ويلعن المارة الذين خرجوا كالصراصير إلى الطرقات الضيقة بعد أن أنهكهم الحر وانقطاع الكهرباء. ووصلت السيارة إلى حى عشوائى ترتفع فيه بنايات كالزنازين استطاع العريس أن يبتاع أحدها مقابل سبع سنوات من الغربة.
دخل الضابط الشاب على الباشا. تذكر الباشا أحقاده الطويلة مع حزب الوفد الذى يفوز رغم كل شىء بالأغلبية. وقرأ فى عيون الضابط الشاب شغفاً بالحكم وأحلاماً بالزعامة. وفكر أنه يستطيع أن يحركه من وراء ستار، مستغلاً جهله المطبق بالسياسة. وابتسم كلاهما وحدث التفاهم بمنتهى السرعة.