مجموعة سعودي القانونية

أيمن الجندى يكتب | جريمة قتل

د.-أيمن-الجندى1

جلس العميد خالد ناظراً إلى الملف الموجود أمامه فى شرود. بعد لحظات دخل الملازم شريف فأشار إليه بالجلوس. ودفع أمامه ملف القضية. مقتل سيدة فى الثلاثينيات والفاعل مجهول. كانت هذه هى أول قضية قتل يتولاها الملازم الشاب الذى أمسك الملف بيدين مرتجفتين. راح العميد خالد يتأمله فى فضول. ستظل هذه القضية علامة فى تاريخه لا ينساها بسهولة. أحس بالإشفاق عليه وهو يتأمل حماسه المكبوت. يوماً ما كان مثله! ضابطاً فى مقتبل العمر! ويوماً ما كانت لديه أول قضية قتل فى حياته! شريهان! آه يا شريهان.

غرق العميد خالد فى الذكريات! لدرجة أنه لم ينتبه إلى خروج الملازم شريف وقد بدا وهو يمسك الملف ككلب صيد يتشمم الهواء! كان اسمها شريهان. ولكن لماذا يستخدم الزمن الماضى وشريهان لم تبارح خياله قط. وزارته فى أحلامه مراراً. يراها كما شاهد صورتها أول مرة! حسناء فى العشرين. أشبه ما تكون بجارية فارسية. شعرها الأسود الحريرى المنسدل كتلة واحدة على ظهرها النحيل. وعيناها السوداوان الواسعتان. وجبينها العالى وشفتاها المضمومتان وأنفها الدقيق! شاهدها فى البداية جثة مشوهة حتى إنه أغمض عينيه مستفظعاً. لم يعرفها حق المعرفة إلا حين شاهد صورتها. هكذا عرفها وهكذا احتفظ بصورتها فى خياله حتى اليوم، ويطرد فى إصرار الجثة المشوهة. شريهان! آه يا شريهان.

اضطربت يداه وهو يمسك بقدح القهوة الذى انسكب معظمهما. وشاهد فى شرود السائل الأسود وهو ينسال فى حركة غير منتظمة نحو الملفات. كان عليه أن يتوغل فى عالمها حتى يصل إلى سر الجريمة. عالم الجامعة.. عالم النادى.. عالم الأصدقاء. لم يبدو على أحد أنه فُجع بموتها! والدها جواهرجى يمتلك فيلا فى المعادى. طاعن فى السن أليق أن يكون جدها لا أباها. وأمها شاردة فى عالمها الخاص، تنبئ ملامحها بحسنها القديم. قالت التحريات إنها تعانى من مرض نفسى مررته فيما يبدو لابنتها التى كانت هى الأخرى غريبة الأطوار. وارتبطت بعلاقات متعددة لكن بالتحقيق مع أطرافها أجمعوا أنها لم تمكنهم من لمسها. كانت كمن تبحث عن شىء ما لا تدرى ما هو. لم يفهمها أحد ولم يرفق بها أحد. وبرغم القيل والقال فقد أثبت التشريح أنها عذراء!

تنهد العميد خالد من قلب مكلوم. كان وقتها شاباً يمتلئ بالأحلام، ويتوق إلى الحب بكل كيانه. وكان يحمل صورتها معه أينما ذهب، ويستغرق فى تأملها محاولا أن يستنطقها عن سرها المجهول. ويناجيها! شريهان ضحية العلاقة غير المتوازنة بين أب ثرى موغل فى الشيخوخة وأم منطوية على عالمها المغلق. وأنوثة تُغرى بالمطامع، وثراء يبعث الغيرة، وحسن يجلب الحسد! عاشت غريبة لا يفهمها أحد، وماتت مغدورة لم يبكها أحد. شريهان لكم تمنيت أن أقابلك فى الوقت المناسب. لا جثة أبحث عن قاتلها وإنما حبيبة أحتوى غربتها.

وجاءت النهاية مباغتة. إذ تم التعرف على قاتلها، حيث اعترف بعد القبض عليه فى جريمة أخرى. كان قد سرق لتوه سيارة تاكسى ركبتها شريهان لحظها العاثر. وأغراه شرودها وغرابة أطوارها بمحاولة اغتصابها. وأُسقط فى يديه حين بدأت فى الصراخ الهيستيرى فتملكه الذعر وراح يهوى عليها بالسكين. لم يدر أنه حين طعنها فى قلبها، فإنه طعنه فى الوقت نفسه، لم يدر أن قصة حب طاهرة قُدِر لها قبل أن تُولد أن تموت!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *