أيمن الجندى يكتب | كيف تكتب قصة مسلية
صديقة لطيفة هى. تعرفون ولعى بالموسيقى. هى على وشك الحصول على الدكتوراه فى العزف على البيانو. وأنتم تعرفون ضعفى صوب السيكا والصبا والنهاوند. لذلك تصادقنا بسرعة. حدثتنى عن غرامها بمخرج مسرحى شاب، فى نحو الخامسة والثلاثين من عمره. قلت لها فى ملل: «اعرف كل شىء عنه، وأستطيع أن أصفه لك بدقة. إنك لتجد الكثيرين منهم هذه الأيام».
تابعت قائلا: «إنهم طراز واحد يا عزيزتى ولقد رأيتهم مرارا. وسوف أصف لك حبيبك على الرغم أنى لم أره. أراهن أنه نحيف.. ومتوسط الطول فى نحو 175 سم، وهو يدخن بشراهة وعصبى جدا وعنيد. له لحية صغيرة.. ويتحرك باستمرار ويستخدم يديه وقدميه بإفراط.. وهو يهتم جدا بأشياء تبدو لك غريبة.. لقد نذر نفسه للفن ولا يعبأ بالمال مطلقا.. ومن الوارد أن يعلو صوته فى مكان عام مسببا لك إحراجا فظيعا.. وقد يغضب من أشياء لا تفهمينها.. إنه راهب فى محراب الفن. وفنه غالبا غير مسل ومُضجر ولا جمهور له.
المسرح يا عزيزتى صار مجموعة من الهستيريين والهستيريات اللواتى يصرخن ويقعن على الأرض ليصفق لهم الجمهور أكثر! فطبيعى يا صديقتى أن يكون مخرجك الهمام قنبلة نووية منزوعة الفتيل وغالبا سينفجر يوما ما فى وجهك».
عرفت من انبهار عينيها أن كل ما قلته صدق! أما بقية الحوار فهو شأن خاص. وإنما أوردت ذلك الجزء من حوارنا ليكون مدخلا إلى ما يخص موضوع المقال، ألا وهو أسلوب كتابة القصص فى الحقل الأدبى عامة.
مما يؤسف له أن كثيرا من المثقفين المشهورين يكتبون بطريقة مملة ويفتقرون إلى جاذبية الأسلوب. وأفكارهم خالية فى معظمها- من الأصالة. لأنهم يعتقدون أن التشويق يتناقض مع العمق، مع أن هذا غير صحيح قطعا، والدليل الدامغ أن روايات نجيب محفوظ تحولت لأفلام مما يدل على كثرة التفاصيل والأحداث.
ليس عجيبا أن ينصرف الجمهور عن قصص يكتبها أصحابها لأنفسهم. لقد صار المثقفون نسخة واحدة من ذلك المخرج المسرحى. عالمهم ثقيل وخال من الجاذبية والمسرات. أنا لم أعبأ قط ببضاعة النقاد.
كان هاجسى الأول- منذ بداية إمساكى بالقلم لكتابة قصة- هو أن تدفع القصة من يقرأها إلى إكمالها لأنه يستمتع بذلك. ذروة ما اعتبرته نجاحا أن يتضايق القارئ إذا قاطعه أحد وهو يقرأ. ولذلك كنت فى بداياتى أتخير موضوعا مليئا بالأحداث المشوقة وأكتب فيه. أى قصة تثير الفضول هى مشوقة بالضرورة. خلاصتها هل يفعل (ذلك) أم لا! أيا ما كان المقصود ب(ذلك). تأكد أن القارئ سيكملها! من حسن حظ الكتاب أن الناس فضوليون جدا ويحبون التشويق.
الحدث مهم جدا بدون تقعر ولا تمعر. والتسلية- فى رأيى المتواضع- هى الهدف الأسمى للفنون لأنى لا أقرأ قصة لكى أتعذب! إذا كنت سأحتاج لاعتصار ذهنى فسأفعل ذلك فى مراجعى الطبية التى ستعود على وعلى المرضى بالنفع. أما أن أتعذب من فهم قصة فأنا آسف.
لم تنجح رواية «عمارة يعقوبيان» إلا من أجل ذلك. لأن روائيا امتلك من الجرأة أن يكتب رواية مسلية عن أشخاص يمشون بيننا فى المدينة. ولأنه كتبها بطريقة تقليدية بدون فذلكة. شيء يفهمه القارئ ولا يتعالى عليه. ويجعله يخرج راضيا فى آخر الرواية دون أن يتخمه بوجبة مرهقة دسمة العناصر ليست فيها أى جاذبية على الإطلاق.