فهمى هويدى يكتب | أزمتنا فى اليمن
أحدث حلقات مسلسل اللا معقول العربى نطالعها الآن فى اليمن التى يتهاوى نظامها بفعل ضربات الحوثيين، الذين قدموا من الشمال واقتحموا العاصمة صنعاء، فيما وصفه الرئيس اليمنى عبدربه منصور بأنه محاولة انقلابية. وكما حدث فى العراق حين اجتاح تنظيم داعش الموصل وأسقطها بعدما انهارت مقاومة الجيش وتقدم مقاتلو التنظيم حتى احتلوا ثلث العراق وتقدموا صوب سوريا، فإن الحوثيين فعلوا نفس الشىء تقريبا، مع فرق أساسى هو أن تنظيم داعش تجاوز بغداد وتطلع إلى إقامة دولة سنية معادية للشيعة ادعى أنها إحياء للخلافة، فى حين أن الحوثيين الموالين لإيران أطبقوا على العاصمة صنعاء، وهم يستكملون احتلالها هذه الأيام بعدما حاصروا الوزارات وقصفوا التليفزيون وقطعوا طريق المطار، الأمر الذى أدى إلى إصابة العاصمة بالشلل وإلى وقف الدراسة بالجامعات والمدارس. وليس معروفا على وجه الدقة مضمون الاتفاق، الذى يفترض أن يكون قد توصل إليه المبعوث الدولى جمال بنعمر، الذى قضى ثلاثة أيام فى صعدة للتباحث مع زعيم الحوثيين حسين بدر الدين. كما أنه ليس واضحا موقف بقية الأطراف اليمنية من الاتفاق، الذى قيل إنه اقترح إدخال تعديل على خريطة الأقاليم فى اليمن، لكى يعطى الحوثيين منفذا مباشرا إلى البحر.
فى هذه الأجواء قال الرئيس اليمنى إن ما يجرى فى سوريا والعراق كان له صداه فى اليمن، مضيفا أن «جهات خارجية» تقف وراء التهديدات التى يتعرض لها. إلا أن ذلك لم يبدد الغموض الذى يحيط بالوضع هناك، سواء ما تعلق منه بملابسات وصول حشود الحوثيين من صعدة إلى صنعاء، وقطعهم نحو 250 كيلومترا دون أن يعترضهم أحد، حتى استطاعوا حصار العاصمة واحتلال أجزاء مهمة فيها. كما أنه لم يحدد الأهداف الحقيقية من وراء ذلك الاقتحام، أو بحقيقة الدور الذى يقوم به معسكر الرئيس السابق على عبدالله صالح الذى تدل قرائن عدة على تحالفه مع الحوثيين منذ نشأتهم فى التسعينيات وحتى الوقت الراهن. كما أن الإشارة إلى تدخلات القوى الخارجية تثير أكثر من سؤال عن حقيقة وحدود الدور الإيرانى فى العملية والأهداف المتوخاة من ورائه، وهل هى سياسية فقط أم أنها تطمح فيما هو أبعد من ذلك؟
لا تقف محنة اليمن عند ذلك الحد، لأن لديه قائمة طويلة من المشكلات الأخرى السياسية فضلا عن الاقتصادية، والأولى المتمثلة فى الحراك الجنوبى ونشاط القاعدة فى حضرموت وأبين تشترك مع حملة الحوثيين فى أنها تهدد وجود الدولة وتنذر بانهيارها ــ غير أن ما يثير الانتباه أيضا فى التصدع الأخير أنه لم يحرك شيئا فى المحيط العربى الذى بدا منصرفا عنه وبالكاد متفرجا عليه. رغم أن دولة كالمملكة السعودية لابد أن تكون قلقة إزاء ما يجرى، كما أن مجلس التعاون الخليجى لم يعبر عن أى اهتمام به، فيما هو ظاهر على الأقل، رغم أن التكهنات تشير إلى أن الحل المطروح الآن مع الحوثيين ينسخ المبادرة السابقة الذى توافق عليها مجلس التعاون بخصوص اليمن.
ذلك التدهور المسكون بالغموض المريب نجد مثيلا له فى العراق وسوريا وفى ليبيا وفى لبنان بدرجة أو أخرى، كما نجد له صداه فى السودان رغم انفصال جنوبه وانفراط عقده، وفى الساحة الفلسطينية التى يعبث بها أبومازن الحائر بين التنسيق مع إسرائيل والتنسيق مع حماس.
إذا أضفنا إلى ما سبق التسريبات التى حفل بها التقارير الغربية، والتى تتحدث عن عوامل القلق التى تتحرك تحت السطح فى بعض الأقطار العربية الأخرى التى ترددت فيها دعوات الإصلاح السياسى ــ الخليجية بوجه أخص ــ فإن اللوحة المعروضة أمامنا ترسم صورة سلبية للغاية للعالم العربى فى وضعه الراهن. وهو الذى كان يحلم بالوحدة قبل أربعة عقود ويدافع عن استقلاله وكبريائه إلى درجة تحدى قوى الهيمنة الغربية. لكنه ما كاد يستعيد ذكريات ذلك الحلم مع بداية هبوب رياح الربيع العربى، حتى تكاتفت عوامل عدة داخلية وإقليمية ودولية، وعملت على إجهاض ذلك الحلم بشراسة مشهودة. الأمر الذى أحدث انقلابا فى العالم العربى لصالح قوى الثورة المضادة الرافضة للتغيير، ناهيك عن الانقلاب الذى حدث فى العلاقة مع إسرائيل التى أصبحت حليفا لبعض الدول العربية. وهو ما توازى مع انقلاب مماثل حدث فى العلاقة مع الغرب، الذى أصبحت طائرات دولة تخرج من مطارات وقواعد بعض الدول العربية لتقصف أهدافا فى دول عربية أخرى.
فى الوقت الراهن يبدو العالم العربى منزوع العافية، بلا قوة وبلا حيلة، والذى لا يقل خطورة عن ذلك أنه أصبح بلا رأس أو قيادة. وفى ظل فراغ القيادة فإن أطرافا عدة حاولت أن تتصدى لتلك المهمة، الأمر الذى عزز من بؤس المشهد العربى، بحيث رأينا مركز الضعف السياسى والاستراتيجى تحاول التحكم فى مفاصل القوة ومراكزها معتمدة فى ذلك على قدراتها التمويلية. الأمر الذى يقود العالم ــ المشرق إن شئت الدقة ــ إلى مجهول لا يعرف مداه بعد.
إن أزمة اليمن جزء من أزمتنا. من حيث إنها تقدم شهادة جديدة تؤكد انهيار النظام العربى وتفضح الفراغ المخيم على العالم العربى الذى فى ظله ما عدنا نفكر فى وحدة الأمة، حتى باتت وحدة الأقطار واستقرارها منتهى الأمل وغاية المراد. على الأقل فذلك ما يشى به المعلوم من الصورة، الأمر الذى يجعلنا نراهن على المجهول الذى لا نعرف متى سيأتى ومن أين. ذلك إن شعوبنا تستحق وضعا أفضل من ذلك الذى آلت إليه، لأنها دفعت باهظا ومقدما ثمن الحلم الذى تعلقت به.