أيمن الجتدى يكتب | الحرب المذهبية القادمة
مع دخول الحوثيين صنعاء انتبه الناس إلى خطورة النعرات الطائفية. وإذا صح ما يُقال من أن الحرب القادمة فى المنطقة ستكون سنية شيعية فهذا يعنى أننا يجب أن نمنع وقوعها بأى طريقة. لأنه من البديهى أن نشوبها لن يفيد إلا أعداءنا. وسيلحق بنا أشد الضرر، وهذه بديهية. ولا شك أن موازين القوى هى التى ستجعل جميع الأطراف تتردد فى النهاية. لكن أيضا خلق رأى عام بعيد عن التعصب سيكون عاملا مساعدا لوقاية أنفسنا من حروب دينية مذهبية لا طائل منها. مرت بها أوروبا منذ قرون عديدة ودفعت ثمنا باهظا لها.
يؤسفنى أن أقول إن طريقة التعامل مع الخلاف المذهبى هى طريقة خاطئة تماما. لأنها تعتمد إما سياسة التخوين والكراهية على الجانبين أو محاولة إقناع الطرف الآخر بصحة مذهبنا وخطأ مذهبهم. سياسة التقريب أثبتت فشلها دائما لأنها تتحول إلى سياسة تذويب. أما الصحيح فهو التعايش وليس التقريب.
التقريب لن يحدث. لا السنى سيستطيع أن يقنع الشيعى ولا الشيعى بقادر على أن يقنع السنى. لقد شاء الله تعالى الاختلاف بين عباده. وإذا كنا مختلفين فى نظرتنا لفترة التأسيس وتقييمنا للصحابة فاختلافنا مع أصحاب الديانات الأخرى أشد لأنه خلاف على أصل الرسالة المحمدية. فما الحل؟ هل ندخل فى حرب مع العالم؟ أم نؤمن أن الاختلاف سنة كونية. مثلما تنبت الأرض أنواعا شتى من النباتات تنمو كلها فى سلام دون أن يجور أحدها على حق الآخر.
التعصب لا يعنى إيمانا بالدين وإنما إيمانا بنفسك. التعصب حب مفرط للذات. لأن المتعصب السنى لو وُلد فى أسرة شيعية لكان متعصبا شيعيا. والمتعصب الشيعى لو ولد فى أسرة سنية لصار متعصبا سنيا. إذ إن العصبية هى الأصل ثم يأتى الدين أو المذهب بعد ذلك. بذمتكم؟ لو ولدت فى الهند ألم يكن من الأرجح أنك ستكون هندوسيا؟ ولو ولدت فى الصين أليس من المؤكد أنك ستكون بوذيا؟ فلماذا نتعصب وقد اختارت لنا الأقدار قبل أن نختار لأنفسنا.
هذه وجهة نظر فى الحياة اخترتها لنفسى. لقد آمنت منذ وقت طويل أن الصواب لا يمكن أن يكون بأكمله مع شخص أو مذهب. وأن لكل طائفة وجها من الحق ووجها من الباطل. لذلك كنت أجد نفسى دائما فى مفترق الطرق، مُسلما بصواب هنا وصواب هناك، وخطأ هنا وخطأ هناك. ومحاولا أن أتواضع فأعرف أن الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله تعالى. وأننى بشر محدود بحواسى. ولو كانت لدى حواس أخرى غير الحواس الخمس المعروفة لربما اختلف تقييمى للأمور وفهمى للكون من حولى. وأننى يجب أن أعذر الآخر وأحاول فهمه. ولو كنت مكانه فأغلب الظن أننى كنت سأفكر مثله. وأن الكراهية هى أسهل شىء فى العالم، والتعصب ليس ببطولة. لم أختر لنفسى أن أكون ذكرا أو مصريا أو مسلما أو سنيا، وبالتالى فتعصبى لأى من هذه الأشياء لا يدل سوى على حبى لنفسى. وحب الإنسان لنفسه ليس من الأشياء التى يفخر بها.
كن هادئا. دافع عن وجهة نظرك بتحضر ولا تطعن الآخرين فى عقائدهم. لا تهنهم. فالإهانة لعبة يمارسها اثنان. والحياة أقصر من أن تحتمل كل هذه الكراهية. كن منصفا. كن عادلا. كن محبا. فبالحب تنفتح مزاليج القلوب المغلقة.