وائل عبدالفتاح يكتب | مَن قتل إيريك لونج؟
سألت هذا السؤال نفسه فى سبتمبر 2013.
واليوم أتت الإجابة فى ما كتبه الأستاذ المحامى أحمد عزت على صفحته: «تنظر اليوم محكمة جنايات جنوب القاهرة قضية المواطن الفرنسى إيريك لونج، الذى قُتل فى أثناء احتجازه فى قسم قصر النيل العام الماضى، على أيدى بعض المحتجزين معه على ذمة قضايا أخرى».. كانت الشرطة قد ألقت القبض على «لونج» خلال مروره بأحد الكمائن فى أثناء فترة حظر التجوال، وقد أخلت النيابة العامة سبيله، إلا أن قسم قصر النيل امتنع عن تنفيذ القرار، وأبقى عليه محتجزًا، وفى أثناء ذلك وقعت الحادثة.
تقدمت أسرة «لونج» بعدة بلاغات إلى النائب العام ضد مأمور قسم شرطة قصر النيل ورئيس المباحث، إلا أن النيابة لم تتصرف فى البلاغات حتى الآن وقامت فقط بإحالة من كانوا محتجزين معه فى القسم إلى الجنايات، مع تجاهل تام للمسؤولية التقصيرية لمأمور القسم ومساعديه.
وسأُذكر الآن بالسؤال الأول الذى تساءلت فيه عن المسؤول عن قتل المدرس الفرنسى، وكنا وقتها بعد إزاحة المرسى بأسابيع قليلة../ وأيامها أخذت البعض حُمى الإنكار إلى درجة اتهامنا بمحاولة التشويه/ وهى اتهامات تعودنا عليها ولا تفيد.
المهم سأذكركم بالقصة لأهميتها وأهمية توقيتها..
كتبت تحت عنوان: «مدرس فرنسى فى المسلخ»:
لم تكتب صحيفة واحدة اسم المدرس الفرنسى المقتول فى قسم قصر النيل.
غالبا لأن الخبر فيه أن الضحية هذه المرة خواجة/ فرنسى، وهذه هى الصدمة من وجهة نظر الأخبار.
وحتى أكثر الواقعيين تشاؤما لم يتوقع أن تعود مسالخ أقسام البوليس بهذه السرعة، بل ويكون من بين ضحاياه رعايا أجانب، حيث كان خبراء هذه المسالخ البشرية يعرفون حدودهم، لكى لا تتحول حفلات المسلخ إلى فضائح صحفية.
وفى قسم قصر النيل خبراء فى مستوى من المسالخ لا تصل إلى ما يحدث فى أقسام الخليفة وبولاق الدكرور والعمرانية ومصر القديمة إلى آخر هذه المسارح، التى شهدت تعذيب وقتل مواطنين لأنهم سقطوا ضحايا ضباط ساديين.
ياااااه كنا تصورنا أن هذه أيام ولى زمانها، وأن زمن التعذيب والقتل والحفلات الجنسية انتهى إلى غير رجعة.. وأننا سنكتب عن مسارح الجريمة اليومية فى أقسام البوليس.. كأننا نزور المتاحف أو نحكى بسعادة عن مرورنا من تلك الذكريات الموجعة المريرة/ حيث الداخل إلى القسم مفقود والخارج مولود/ وأنت فى القسم يعنى أنك فى المصيدة.
لا يفهم هؤلاء أن الفرد سواء كان مواطنا أو ضيفا عندما تضطره الظروف إلى الاحتجاز فى قسم بوليس/ لا يعنى هذا أنها رخصة لانتهاكه/ نفسيا أو جسديا.
وأن حقوق الإنسان لا تعنى فقط الابتسامة المصطنعة والذوق المتكلف فى استقبال زوار القسم وطالبى الخدمات العابرة/ وإنما ضمان حقوق المتهم/ والمحتجز.
الإنسانية المهدرة فى الأقسام لن تعيد قبضة الدولة الأمنية، لكنها ستعيد الغضب إلى حالة مضاعفة، فما كان مقبولًا بمنطق العادة والقدر قبل ٢٥ يناير لم يعد مقبولًا حتى عند مَن يصفق اليوم للدولة الأمنية ويتصور أنها الطريق الوحيد لاستعادة الأمن.
لا أمن إلا بـ:
1- احترام الإنسانية أولًا وقبل كل شىء.
2- محاكمة المجرمين فى ثياب الشرطة الرسمية.
3- إغلاق المسالخ فى الأقسام فهى مصنع الإجرام.
وهذا يعنى ببساطة إنهاء تلك الثنائيات التى نعيشها منذ أن تحول جهاز الأمن إلى مستودع عدم الكفاءة/ ونفخة السلطة.. فيقال لنا إما أن نهدر إنسانيتكم وننتهك حرياتكم وأجسادكم وإما الانفلات الأمنى.
وإلى السيد مدير مسلخ أى قسم شرطة: على فكرة عادى جدا أن تحافظ على الأمن وتكون إنسانًا.. آه فعلًا ممكن تكون إنسانا لا وحشا ساديا.