أيمن الجندى يكتب | كيف أفكر؟
هذا المقال لا يتناول رأيا محددا فى موضوع ما، وإنما يحاول أن يرصد كيف أفكر! وإننى إذ أسجل طريقة تفكيرى فإننى لا أعتبر نفسى مقياسا يُرجع إليه- حاشا لله- أو نموذجا يُحتذى به. ولكن لعل أحدا من القراء يجد فيما كتبت شيئا نافعا.
أهم ما أحرص عليه عند تكوين رأى ألا أنغمس فى التفاصيل. فأحاول بقدر المستطاع أن أكوّن صورة كلّية. ولا أسمح لجزئية أن تطغى على المشهد الإجمالى للوحة.
وأحاول أيضا أن أدقق فى التفاصيل وأُعمل عقلى النقدى. فأنظر فى مصدر المعلومة ومدى مصداقيتها. إننى- كقاعدة- أرتاب فى معظم ما اقرأ وأسمع. بل وأرتاب فى أغلبية ما دونته كتب التاريخ. فقد علمتنى الحياة أن الكذب هو الأصل والصدق هو الاستثناء. خصوصا عندما يكون عرضة لتقلبات السياسة وفتنة الحكم. حينئذ تُعاد كتابة التاريخ، حسب مصلحة المنتصر. المهم أننى أُمرّر المعلومة على عقلى النقدى وأبحث بعناية عن شواهد إثباتها.
ثم يأتى من بعد ترتيب التفاصيل من حيث الأهمية. فأميز التافه من المهم، والهامشى من الجوهرى. وإذا كانت الحقيقة الكلية لا يحيط بها إلا الله عز وجل، فإن غياب جزء جوهرى من الصورة سوف يؤدى بالضرورة إلى فكرة مشوهة ورأى خاطئ.
وأهم شىء على الإطلاق هو التجرد. وألا يكون المرء صاحب هوى. إن صدق النية فى الوصول إلى الحقيقة لا يقل فى أهميته عن المعلومة.
وإذا أردت تطبيق بعض هذه القواعد فإن الحديث يطول. ولكن سأكتفى بالخطوط العريضة. لماذا لم تؤثر شبهات الملحدين على يقينى بوجود الله عز وجل؟ ولا اهتز إيمانى بسبب التشهير بالرسول؟ السبب أننى حين وضعت هذه الجزئيات فى إطار الصورة الكلية، وجدت ببساطة أن حشداً هائلا من أدلة اليقين فى وجود الله واعتقادى فى الإسلام أكبر بكثير من هذه الشبهات! بحيث أصبحت معضلة عدم الإيمان فيما لو اتبعتهم أكبر بكثير من هذه الشكوك. فإبداع الله فى كونه وإحسانه لكل شىء خلقه أكبر ملايين المرات من معضلة شر لا يفهمها عقلى القاصر. والقرآن الذى أتحفنا بالتوحيد وأهدى لنا الصورة المُثلى للإله المتكامل الصفات لهو عندى أهم مائة مرة من روايات تاريخية لا أعلم مدى صحتها!
وحين نظرت فى اختلاف الصحابة وجدتنى أقف فى منتصف المسافة بين الرواية السلفية المُغرقة فى مثاليتها، وبين الرواية الشيعية المُغرقة فى كآبتها. فلم أقتنع بوصية النبى لعلىّ، ووقرت الشيخين أيما توقير، وفى الوقت نفسه انحزت لمظالم آل البيت فى وجه الطغيان الأموى.
وفى الأحداث السياسية المعاصرة حينما نظرت للمشهد الإجمالى كان رأيى- الذى لم يعجب الطرفين- أن الإخوان قد فشلوا فى الحكم وصاروا عبئا على الإسلام والوطن، ولكنى فى الوقت نفسه أدنت الدماء وكل المظالم التى تعرضوا لها.
وأخيرا أقول لقارئى الكريم إنك إذا اقتنعت بطريقة تفكيرى هذه فإننى لا أضمن لك الراحة التى يكفلها انتمائك للجموع، لأنك ستكون غالبا فى منتصف الطرق بين جميع الآراء المختلفة. وفى كل الأحوال ليس من الضرورى أن تأخذ طريقة تفكيرى كلها أو تتركها كلها. على اعتبار أن هذه هى حياتك أنت، وأن رحلة العمر شديدة الخصوصية، ولا تناسبها بالتأكيد المقاسات الجاهزة.