مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | تقدم مشين لا نريده

فهمى-هويدى

هذا إرهاب آخر مسكوت عليه فى مصر. ففى الأسبوع الماضى وحده قتل الإهمال نحو 30 شابا وفتاة فى محافظتى البحيرة وسوهاج إضافة إلى 25 تعرضوا لإصابات مختلفة. وهو رقم يقترب إن لم يتطابق مع ضحايا الهجوم الإرهابى على كمين الجيش فى شمال سيناء الذين وصل عددهم إلى 30 جنديا وضابطا غير عدد مماثل من الجرحى. صحيح أن الأول كان قتلا على سبيل الخطأ، فى حين ان الثانى كان القتل فيه متعمدا، إلا أننا نفهم فى القانون ان الخطأ حين يكون جسيما فإنه يرقى إلى مستوى العمد. وقد شاءت الأقدار ان تحترق أجسام تلاميذ البحيرة وان تزهق أرواح طالبات جامعة سوهاج فى وقت متزامن مع اليوم العالمى لحوادث الطرق (3 نوفمبر) الذى أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن مصر باتت تحتل المرتبة الأولى فى وفيات حوادث الطرق، متقدمة فى ذلك على 178 دولة أخرى فى الكرة الأرضية، ولست واثقا من أن كلمة «تقدم» تناسب هذا المقام أم لا، لكنه فى كل أحواله يظل من قبيل التقدم المشين الذى لا يتمناه أحد لبلده. مما ذكرته منظمة الصحة العالمية فى هذا الصدد أن ضحايا حوادث الطرق السنوية فى مصر يقدر عددهم بـ13 ألف قتيل و40 ألف مصاب، وان تلك الحوادث تكلف البلد 17 مليار جنيه.

صحف الخميس 6/11 التى نعت إلينا خبر كارثة طلاب البحيرة، قدمت إلينا الحادث مقتضبا، وإن فهمنا أن حافلة استقلها الطلاب فى الطريق إلى مدرستهم، لكنها اصطدمت بسيارة محملة بالبنزين فاحترقت واحترقت معها جثث 17 طالبا فى حين أصيب آخرون بإصابات مختلفة، وبعضهم فى حالة خطرة. إلا أن الصحف فصلت فى إجراءات وقرارات السلطة سواء من جانب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. وهى التى تراوحت بين السعى لدراسة مشكلة حوادث الطرق ورعاية المصابين وتعويض أسر القتلى.

كارثة حافلة البحيرة وقعت أثناء فترة الحداد المحلى التى أعلنها مدير جامعة سوهاج، بعد مصرع 11 من طالبات الجامعة جراء حادث تعرضت له الحافلة التى أقلتهم مما أدى إلى انقلابها ومقتل ذلك العدد من الطالبات إضافة إلى إصابة 18 منهن. ولأن سوهاج فى عمق الصعيد، فإن أصداء الكارثة ظلت فى إطار الإقليم، حيث لم تتجاوز إعلان الحداد بالمحافظة لمدة 4 أيام وصرف التعويضات المالية للأهالى. بالتالى فإنها لم تحدث الصدى الذى لمسناه بعد حادث البحيرة، إلا أن ما يلفت الانتباه أن كارثة سوهاج وقعت يوم 2 نوفمبر، وأن فاجعة طلاب البحيرة حدثت يوم 5 نوفمبر.

المفارقة تذكرنا بأصداء حادث قرية المندرة (منفلوط ــ محافظة أسيوط) الذى وقع فى نفس الشهر (17 نوفمبر) قبل سنتين، حين كان تلاميذ إحدى المدارس داخل حافلة فى طريقهم إلى مدرستهم، وأثناء محاولتها عبور «مزلقان» السكة الحديد صدمها قطار الصعيد الأمر الذى أدى إلى قتل 52 طفلا وإصابة 18 آخرين. وهى الكارثة التى احتلت عناوين الصحف وعولجت فى حينها بالتحقيقات والتعويضات، ثم نسى الأمر بعد ذلك وانضم إلى بقية ملفات الصعيد المنسية.

القضية قديمة متجددة، سواء بالنسبة لحوادث الطرق أو لحظ الصعيد وأهله منها (لا ينسى حادث حريق قطار الصعيد الذى وقع فى عام 2002 وأدى إلى مصرع نحو 400 شخص). وحين يتكرر وقوعها عاما بعد عام فذلك يعنى ان أسبابها الكامنة لم تعالج، وان كل ما اتخذ من إجراءات فى هذا الصدد لم يصل إلى جذور المشكلة، لأن النتيجة ظلت واحدة لم تتغير.

صحيح أن القرارات التى صدرت عقب كارثة البحيرة الأخيرة يفترض أن تؤدى إلى القضاء على المشكلة من جذورها، لكننا ينبغى أن نتروى فى تأكيد ذلك، لأن العبرة بالتنفيذ بعد تجاوز مرحلة الانفعال الذى أحدثته الصدمة. وإلى أن يحدث ذلك فبوسعنا أن نسجل عن ملاحظات منها ما يلى:

• أن اهتمام السلطة فى مصر بالتحديات التى تواجه النظام يتجاوز بكثير اهتمامها بالأخطار التى تهدد المجتمع. وذلك واضح فى الحملة الراهنة ضد الإرهاب إذا قورنت بموقف السلطة إزاء صور أخرى للإرهاب سواء تمثلت فى حوادث الطرق أو تلوث المياه أو انتشار فيروس سى أو غير ذلك. ولعل ذهاب الرئيس الأسبق حسنى مبارك مع زوجته لمشاهدة مباراة كرة القدم بين فريقى مصر والسنغال عام 2006 عقب غرق عبارة السلام الذى أدى إلى غرق وقتل أكثر من 1200 مصرى شاهدا يؤيد ما أدعيه.

• أن تعدد كوارث الطرق ينبهنا إلى أن ثمة مشاكل كبيرة فى مصر تتصل بصلب حياة الناس ومعايشهم فضلا عن صلتها الوثيقة بالأمن القومى، ينبغى أن تعطى الأولوية فى برنامج العمل الوطنى. وهذه المشاكل تتعلق بالتعليم والصحة والإسكان على الأقل. ومن الملاحظ أن ثمة حرصا أكبر فى الوقت الراهن على تقديم طائفة أخرى من المشروعات القومية والعملاقة ذات الرنين القوى فى وسائل الإعلام، وهى مما لا يشك أحد فى أهميته وربما ضرورته. ولكننا فى مرحلة ينبغى أن يقدم فيها العاجل على الضرورى والأهم على المهم.

• أننا لم نعرف بعد فضيلة المسئولية الأدبية والسياسية. لذلك لم نلمس حزما فى محاسبة المسئولين الكبار على الحوادث التى تقع فى نطاق اختصاصهم. يثير الانتباه فى هذا الصدد انه حين غرقت العبارة «تشيونان» فى كوريا الجنوبية فى شهر أبريل من العام الحالى (2014) الأمر الذى أدى إلى غرق 187 شخصا، فإن رئيس الوزراء شونج كونج قدم استقالته من منصبه على الفور. ولكننا لم نعرف ان مسئولا مصريا كبيرا قدم استقالته رغم تعدد الحوادث المفجعة التى أزهقت فيها أرواح مئات بل آلاف البشر (استثنى من ذلك حالة الدكتور إبراهيم الدميرى وزير النقل الأسبق الذى تمت التضحية به وأقيل من منصبه بعد حادث احتراق قطار الصعيد عام 2002 الذى وقع فى أثناء عطلة العيد).

إن أرواح المصريين ودماءهم تستحق غيرة أكبر من جانب السلطة، حتى إذا كانوا من خارج القوات المسلحة والشرطة .

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *