بلال فضل يكتب | وهم حروب الجيل الرابع (1)
بعد أن انكشف كثير من الأوهام التي ظل المشير عبد الفتاح السيسي، يقوم بتسويقها، منذ توليه الفعلي الرئاسة، عقب خطاب التفويض المشؤوم، مثل وهم التعهّد بتخليص سيناء من الإرهاب في ظرف أسبوعين، وتسليمها متوضئة للشعب، ووهم تدفق مئات المليارات من الدولارات فور توليه الرئاسة، ووهم الجهاز الذي يحوّل الإيدز وفيروس سي إلى كفتة، وبعد أن بدأت تنكشف حقيقة مشروعات عربية لتشغيل الشباب، وإجراءات توفير الطاقة، ومشروع المليون شقة، قرر السيسي أن يلجأ إلى أقوى الأوهام المتبقية في جعبته: وهم حروب الجيل الرابع، التي أشار إليها بشكل علني أول مرة في كلمته المذاعة أخيراً، بعد أن كان قد أشار إليها في لقاء غير مذاع مع رؤساء تحريره، وبعد أن كان قد بدأ يحضّر لاستخدام ذلك الوهم داخل صفوف القوات المسلحة، في يناير/كانون الثاني الماضي، بشكل لم تتضح جدية دوافعه إلى الآن.
حدث ذلك عندما قام شخص، يصف نفسه بأنه خبير استراتيجي، ويُعرف بانتمائه لحملة “إحنا آسفين يا ريّس”، المؤيدة للمخلوع مبارك، بوضع صور على حسابه في “فيسبوك”، يظهر فيها واقفاً في قاعة مليئة بضباط جيش، قائلاً إن ذلك كان في قيادة الدفاع الجوي التي ألقى فيها محاضرة، يظهر في الشاشة المثبتة خلفه أنه يصف فيها ما جرى في 25 يناير بأنه كان احتلالاً مدنياً وحرباً أميركية من حروب الجيل الرابع، بهدف نشر الفوضى وإسقاط الدولة. وقد كتبت، تعليقاً على ذلك، مقالاً في صحيفة “الشروق”، بعنوان “اكشفوا المؤامرة الأميركية”، قلت فيه إن على مَن يريحه وصف ثورة يناير بأنها مؤامرة أميركية ـ صهيونية، أن يكون رجلاً، ويضم إلى قوائم الاتهام قادة المجلس العسكري، بمَن فيهم رئيس المخابرات الحربية وقت اندلاع الثورة، لمحاكمتهم على كل البيانات الرسمية والتصريحات المتتالية التي أقنعت الشعب بأن ما حدث منذ 25 يناير كان ثورة شعبية عظيمة، تعهدوا بتحقيق مطالبها، وأدوا التحية العسكرية لشهدائها.
وتساءلت في المقال، المنشور بتاريخ 2 يناير، عن “كيفية السماح بالتقاط هذه الصور داخل منشأة عسكرية، ثم نشرها في موقع تواصل اجتماعي، وعن سبب اقتصار تلك المحاضرة على شخص معروف بعدائه لثورة 25 يناير، التي قال الجيش، بدل المرة مائة مرة، إنه حماها وشارك فيها، لأنه إذا كانت المحاضرة من باب الانفتاح التثقيفي على وجهات النظر كافة، فلماذا لم يتم السماح بمَن يمثلون وجهة النظر المعاكسة، ليردوا على تلك الافتراءات؟ وإذا لم يكن مسموحاً بإدخال المدنيين إلى موقع عسكري للرد، فلماذا لم يتم استدعاء شخصيات عسكرية، مثل الفريق عبد الفتاح السيسي واللواء محمد العصار واللواء محسن الفنجري واللواء محمود حجازي، الذين سمعهم الملايين، ورأوهم يتحدثون عن عظمة ثورة 25 يناير، ويمجدون شهداءها وجرحاها وثوارها؟ وإذا كانت تصريحاتهم، وقتها، من باب الخداع الاستراتيجي الهادف إلى عبور الفترة الحرجة، حتى يستتب الأمن والأمان، لتتم بعدها مصارحة الشعب بالحقيقة، فكيف يتم السماح بذكر المؤامرة المسماة ثورة يناير في دستور البلاد، ثم تتم دعوة الشعب لأن يقول نعم لدستور يمجّد مؤامرة أميركية، هدفت إلى احتلال البلاد وإسقاط الدولة”.
أذكر أنني بعد أن سلّمت المقال للنشر، اتصلت بعدد من الأصدقاء المحامين، وسألتهم عمّا ينبغي أن أفعله من خطوات قانونية، إذا تم استدعائي للقضاء العسكري، كما كنت أتوقع، وبدأت تحضير الشهادات المنشورة والمسجلة لكل السياسيين والكتّاب والإعلاميين الذين التقوا بقادة المجلس العسكري عقب الثورة، وسمعوا منهم تفاصيل عن دور الجيش في الانحياز للثورة وتسريع إطاحة مبارك. واعتبرت أن ذلك الاستدعاء لو حدث سيشكل فرصة لمَن لا يزال لديه ضمير في وسائل الإعلام والصحف، لإعادة فتح ملف علاقة الجيش بثورة يناير، في ظل تصاعد رواية أنها كانت مؤامرة من وسائل إعلام تابعة لرجال أعمال مبارك، يفخرون، الآن، علناً بعلاقاتهم الشخصية بالسيسي، وبدعمه لهم، لكنني لم أتلقَّ أي استدعاء عقب نشر المقال، برغم إعادة نشره في مواقع كثيرة، نقلاً عن “الشروق”، وهو ما فسّره بعض الأصدقاء بوجود رغبة في تهدئة الأجواء، حتى يمر الاستفتاء على الدستور، في حين فسره آخرون، من الذين واصلوا إحسان الظن بالسيسي، بأن تلك المحاضرة حدثت من دون علمه، وأنه بالتأكيد قام بمحاسبة مَن نظّمها، وها هي الأيام تمر، ليقوم السيسي بنفسه بترويج وهم حروب الجيل الرابع التي يتصوّر أنها ستبرّر ما يقوم به من استبداد وقمع وإدارة كارثية للبلاد، وهو ما سنكمل مناقشته غداً بإذن الله.