أيمن الجندى يكتب | وثيقة مع الموت
الحزن هذه المرة شديد. كلما كبرنا فى العمر، لم يعد الموت قريبا فحسب، بل صار يحصد أحبابنا حصداً. منذ أيام معدودات توفى إلى رحمة الله الحسيب النسيب المهندس «حسن الشريف». بلغنى الخبر فلم أصدق أذنى. الرجل الطيب الصحيح البدن ذهب مع زوجته (بنت خالتى) لزيارة أمها. ارتفع أذان العشاء فراح يردد مع المؤذن. وفجأة سقط. مات فى أقل من دقيقة واحدة. خرج السر الإلهى وانتقل إلى الرفيق الأعلى وآخر كلامه من الدنيا «لا إله إلا الله والله أكبر».
أكرمه الله بخاتمة التوحيد وبميتة سريعة بلا ألم. كان الرجل كريما حقا والله أكرم. ذهب وأبقى لنا الحزن الشديد ونوعا من عدم التصديق. أصعب أنواع الفراق ذلك الذى يأتى مصحوبا بتغيير العادات. وقد اعتدت أن أمضى معه ليالى المصيف نستعين على الأيام بالأنس والذكريات الجميلة.
قلت لنفسى: ينبغى أن أتصالح مع الموت باعتباره حقيقة كونية راسخة لا مفر منها. وليس من المعقول أن أترك قلبى كل مرة ينفطر. ذهبت إلى الموت عارى الصدر وقلت له: «يا أيها الموت لماذا لا نعقد وثيقة؟».
توافقتُ أنا والموت على البنود التالية:
البند الأول: أيوه حنموت. ما البديل؟ هل تريد أن تعيش إلى الأبد؟ وهبْ أن ذلك تحقق، هل تعرف بالفعل ماذا يترتب على ذلك: هل تحتمل مشقة الحياة الأبدية فى بلد كمصر؟
آه أيها المضحك. تريد نعيما بلا كدر. تريد أن تُفصّل الكون والحياة على مزاجك!
وإذا فرضنا أننا عشنا إلى الأبد فإننا نحرم الأجيال القادمة من نعمة الحياة. أم تريد أن يقاسمك العيش كل من دبّ على الأرض يوما؟ تخيل بلايين المخلوقات منذ عهد آدم إلى اليوم! ستصبح الدنيا زحاما لا يُطاق وأنت لا تحب الزحمة!
البند الثانى: يقول علماء النفس إننا نطلب الموت دون أن ندرى. فى داخلنا إرادة الموت كما توجد إرادة الحياة. لحظة الاستقرار لذرة الكربون الأصلية التى منها بدأنا.
البند الثالث: أيوه حنتحلل. أعرف أنه تؤلمك فكرة التغيرات التى ستحدث فى جسدك بعد أن يواريك الثرى. ولكن يا عبيط إنها فترة مؤقتة. إنه جسر إلى الهيكل العظمى اللطيف النظيف. مش مشكلة ستة شهور سيئة الرائحة تنعم بعدها بنظافة العظام إلى الأبد. ثم إنك لن ترى هذه التغيرات لأنك ببساطة ميت!
البند الرابع: أيوه حنتحاسب. لكن آمل خيراً يا أخى. ربنا كريم ورحمته واسعة. وجواره خير من جوار هؤلاء الناس المتعبة الذين نعيش بينهم.
البند الخامس: الموت رحمة. عندما يضيق ثقب الإبرة وتتراكم المشاكل تقول لنفسك معزيا إن الموت سيريحك من هذا كله. تخيل أن تحيا إلى الأبد والدنيا متطربقة على رأسك؟
البند السادس: الموت مُجرّب. لست أول من يموت فلا تملأ الدنيا صراخا. لقد مرت به بلايين الكائنات قبلك وستمر به أنت الآخر. إن هى إلا لحظة تمر بعدها ترتاح إن شاء الله إلى الأبد. المهم أن تتدارك نفسك منذ الآن وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اللهم ارفق بنا. اللهم ارحمنا.