زينب؛ العشرينية ربيعا، اختصرت القصةَ كلها، وعيوبَنا كلها، وجرائمنا كلها لم أعرف «زينب مهدى حسين أحمد» من قبل. ولا أعرف غير ما كتبه عنها «من تعلموا منها» وما خطَّته هى فى رسائلها من أنها: قد يئست منَّا جميعا، فقررت أن تلجأ إلى من «لا مَلْجَأَ.. إِلاَّ إِلَيْهِ».
زينب، كشباب جيلها؛ الذى لم يكن يملك غيرَ حلمِه، وإرادته «التى كسرناها» انضمت إلى الإخوان قبل أن يفصلوها لتنضم إلى حملة أبو الفتوح، فالتيار المصرى.. ثم تعترض ككثير من شباب جيلها (الذى، إن لم نشوهه نحن فهو لا يعرف غير النقاء والصدق) على منظومة الإخوان، ثم على كل ما جرى بعد الثالث من يوليو.
قد لا نتردد فى أن نقذفها «كما اعتدنا» بكل ما تطوله أيدينا من أحجار. لكن الحقيقة التى علينا ألا نهرب منها، فضلا عن أهمية أن نفهمها: أنها اختارت أن تهرب إلى «بارئها»؛ حيث العدل المطلق. غيرها (المهندس هانى الجمل من أبناء جيلها) كان قد اختار أن يترك نجاحاته فى جامعة ميريلاند ليحاول أن يبنى حجرا فى مستقبل بلده فانتهى إلى السجن.. هكذا يقول منطقها ببساطة، والذي علينا أن ننصت إليه، وأن نفهمه.
زينب العشرينية ربيعا، اختصرت بحياتها القصيرة، وبرحلتها المرتبكة، وبرحيلها اليائس، وبكل ما جرى من لغط ومتاجرة «وخوض» بعد الرحيل ــ القصةَ كلها، وعيوبَنا كلها… بل «وجرائمَنا» كلها.
زينب هى ضحيتُنا جميعا، وضحيةُ هذا «النظام الأبوى» الذى كتب عنه هشام شرابى قبل ربع قرن وكتبت عنه هنا قبل أسابيع.
ناهيك عن طابور الشهداء الطويل، رحلت زينب، وإن اختلفت التفاصيل لتلحق بمحمد يسرى سلامة وباسم صبرى وغيرهما من الذين لم يقبلوا أن يكونوا مجرد أرقام فى معادلة هذا أوذاك. أوجعهم هذا التمزق والتشرذم والاستقطاب. فأخذوا أحلامهم معهم.. وذهبوا
…………………..
أكرر: لا أعرف زينب.. ولكنى اعتذارا إليها، وإلى جيلها الذى أجرمنا جميعا فى حقه؛ بالتعالى وبالتشويه «وبزيف الكلمات.. وأوحالها» قبل أى شىء آخر، أستأذنكم فى أن أضع قلمى اليوم. وأرجئ «مقال الأحد» مكتفيا بأن أُذَّكر نفسى، وأذَّكركم: بأن «رُبَّ كَلِمَةٍ يلقى بها أحدُكم، لَا يُلْقِى لَهَا بَالا، تُلْقى به فى النارِ سَبْعِينَ خَرِيفا» (النص بتصرف).