الشاعر الصيني: فينغ تشي
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
(نحن مهيئون لأن نتأثر بعمق.. بتلك المعجزات التي نتخيلها ولا يمكننا الوصول إليها) يقول الشاعر الصيني( فينغ تشي) في إحدي سونيتاته, في كتابه الأشهر في الصين( سونيتات).. فهل هذا حلم المستحيل الذي يحفز البشر دائما رغبة في ارتياد المجهول واكتشافه, الأمر الذي يعني أيضا محركا كبيرا للحضارة الإنسانية؟
علي أي حال, يعد الشاعر( فينغ تشي) لدي الصينيين من أبرز شعراء الأدب الصيني الحديث في القرن العشرين, وهو أحد أهم المثقفين الصينيين الذين استطاعوا عبر مستوي روحي عميق فهم وإدراك المصاعب والمعاناة التي تواجه الإنسان خلال العصر الحديث. بدأ( فينغ تشي) كتابة الشعر متأثرا بحركة الرابع من مايو الثقافية التي ظهرت عام1919, وهي حركة ثقافية وسياسية هامة في الصين الحديثة, وفي عام1921 التحق بقسم اللغة الألمانية بجامعة بكين, وبدأ عام1925 بنشر الشعر والنصوص النثرية, ليترك بعدها الصين عام1927 ويسافر إلي ألمانيا من أجل دراسة الأدب والفلسفة, ويحصل علي درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة هايدلبرغ. عاد( فينغ تشي) إلي الصين عام1935, ومن عام1939 إلي عام1946 عمل أستاذا لتدريس اللغة الألمانية في قسم اللغات الأجنبية في الجامعة الجنوبية الوطنية المتحدة في كون مينغ, وشغل( فينغ تشي) منصب رئيس رابطة الكتاب الصينيين. كما أنه حاصل علي العديد من الجوائز منها وسام الاستحقاق من ألمانيا. وإلي جانب كتابة الشعر والنثر, فهو مترجم وكاتب روائي.
الشاعر( فينغ تشي) الذي ولد عام1905 وتوفي عام1993, كتب ديوان( سونيتات) عام1941, ويحتوي الديوان علي سبع وعشرين سونيتة أضع بين أيديكم سبعا منها, وقد أحدث هذا الديوان حينها ضجة وتأثيرا قويا لا يزال مستمرا إلي وقتنا هذا. ويعكس الديوان تفكير الشاعر الفلسفي الميتافيزيقي الشمولي حول الحياة, وتأمله الفلسفي لمسألتي الحياة والموت. واستطاع( فينغ تشي) توظيف قوة المشاعر والحكمة والشاعرية والفلسفة بشكل جيد ودمجها مع بعضها البعض, ويعود السبب في ذلك كما يقول النقاد, إلي تأثره بالتقليد الشعري الصيني, والتقليد الشعري الغربي, وتحديدا التقليد الشعري الرومانسي الألماني, وخاصة تأثر( فينغ تشي) بالشاعر ريلكه الذي أحدث لديه تحولا روحيا عنيفا.
نحن مهيئون
نحن مهيئون لأن نتأثر بعمق
بتلك المعجزات التي نتخيلها ولا يمكننا الوصول إليها,
وعبر الأيام والسنين الطويلة فجأة
يظهر مذنب, وتعصف رياح بغتة.
وحياتنا في هذه اللحظة,
تبدو وكأننا نتلقي أول حضن
والحزن والفرح المنقضيان يتكشفان فجأة أمام أعيننا
ويتجمعان ليشكلا هيئة منتصبة شامخة.
نتغني نحن بتلك الحشرات الصغيرة
فخلال جماع لها
أو مقاومة لخطر,
تنهي حياتها الساحرة
وحياتنا نحن كلها تستمر في مقاومة
رياح تعصف بغتة, وظهور لمذنب.
يمكن لأي شيء أن يتساقط منا
يمكن لأي شيء أن يتساقط منا,
وأن يتحول إلي غبار:
نحن نرتب شئوننا في هذا العصر
كشجر في يوم خريفي, شجرة شجرة
نقدم الأوراق وتلك الورود التي تأخرت في إزهارها
إلي الرياح الخريفية, ونفتح جسد الشجرة جيدا
لنسحب منه الشتاء القارس, نحن نرتب شئوننا
في الطبيعة, كفراشة زيز تتفتح
وتلقي شرنقتها في الأرض الطينية:
نحن نمنح تدبير أمورنا إلي ذلك
الموت الذي لم يصل بعد, كأنشودة
ينسل صوت الغناء منها خارج جسد الموسيقي,
ليعود في النهاية إلي جثة الموسيقي المتآكلة
ويتحول إلي جبل صامت.
نقف علي قمة جبل شاهقة
نقف نحن علي قمة جبل شاهقة
ونتجسد في أفق شاسع بعيد
ونتحول إلي التلة الجرداء أمامنا,
ونتحول إلي الدروب المتقاطعة أعلي التلة.
أي درب, أي مجري مياه, لا يوجد بينهما اتصال
أي هبة رياح, أي سحابة, لا يتهادي بينهما صدي
المدن, والجبال والأنهار التي اجتزناها
هي التي غيرت حياتنا.
كبرنا, وحزننا
هما شجرة صنوبر أعلي أحد السفوح الجبلية
هما ضباب كثيف في إحدي المدن;
وكيفما هبت الرياح, وكيفما تدفقت المياه
نتحول إلي دروب التلة المتشابكة
نصير حياة الأشخاص المارين عبر هذه الدروب.
دروب الأرض السهلية الصغيرة
لقد قلت, إن أكثر ما تحب رؤيته في هذه الأرض السهلية
هو تلك الدروب الصغيرة المفعمة بالحياة,
خطوات الكثير من المارين المجهولين
وطئت هذه الدروب المفعمة بالحيوية.
داخل سهل روحنا
يوجد أيضا الكثير من الدروب الصغيرة التي تعاقبت عليها الخطي
ولكن المارين الذي عبروا من قبل
لم يعرف معظهم إلي أين وجهتهم:
الأطفال الوحيدون, الأزواج الذين ابيض شعرهم
وبعض الشباب والشابات,
والأصدقاء الذين فارقوا الحياة, جميعهم
وطئوا تلك الدروب;
ونحن نتذكر خطواتهم
فلا يجب علينا أن نهمل تلك الدروب الصغيرة.
نقضي بين حين وآخر ليلة حميمة
نقضي بين حين وآخر ليلة حميمة
في غرفة غريبة, نهارها
كيف يكون شكله, لم نعرف عنها شيئا علي الإطلاق
ولا داعي لسرد ماضيها ومستقبلها. السهل المنبسط
يمتد شاسعا علي مد البصر خارج نافذتنا
يمكننا فقط أن نتذكر بشكل غائم طريق مجيئنا
وقت الغروب, وعندما نتعرف عليها,
وبعد أن نغادر غدا, لن نعود إليها مرة أخري.
أغلق عينيك! لنجعل تلك الليالي الحميمة
وتلك الأماكن الغريبة تلتف حول فؤادنا:
تشبه حياتنا السهل المنبسط خارج النافذة
وعبر السهل المنبسط الضبابي استطعنا تمييز
شجرة, لمعان بحيرة, ماض منسي
مخبأ في امتدادها, ومستقبل خفي.
الكثير من الوجوه, الكثير من الأصوات
توجد وجوه كثيرة, أصوات كثيرة
تكون حقيقة في أحلامنا
لا يهم فيما إذا كانت مألوفة أم غريبة:
فهي انكسار حياتي أنا
ولكن إذا دمجنا الكثير من الحيوات
وبعد هذا الاندماج تفتحت زهرة, فهل أثمرت؟
من منا يمكنه امتلاك زمام حياته
في مواجهة ضياء الليل الشاحب كمياه متدفقة,
من جعل أصواته ووجوهه
تدور فقط في هذه الأحلام الحميمة
ولا نعرف كم هو عدد الدورات التي دارتها
والتي انعكست في السماء البعيدة الممتدة
ومنحت المراكبية أو العابرين في الصحراء
بعضا من الغذاء لأحلام جديدة.
هنا قبل بضعة آلاف عام
هنا قبل بضعة آلاف عام
بدا وكأن حياتنا
كانت موجودة في كل مكان;
وقبل أن نولد
كانت هناك بالفعل أنشودة
تتهادي من السماء المتقلبة
من الأعشاب الخضراء والصنوبر
وتتغني بمصيرنا
كنا مثقلين بالأسي والحزن
كيف يمكننا هنا
أن نسمع تلك الأنشودة؟
انظر إلي تلك الحشرات الصغيرة الطائرة
فعبر تحليقها
تولد باستمرار حياة جديدة.