حسناً، فلأعترف: هذا يوم من الأيام القليلة التى شعرت فيها بالفخر لانتمائى لمهنة الصحافة، صحيح أن الصورة بألف كلمة، لكن زملاءنا الصحفيين الذين كانوا على خط النار فى عملية تطهير كرداسة يستحقون أن نقف لهم احتراماً على الأداء المهنى الراقى الذى قاموا به من مختلف الصحف، معرضين حياتهم للخطر، بينما آخرون يجلسون على شلتة طرية فى بيوتهم أو فى مكاتب مكيفة ليكتبوا تغريدة تشكك فى الموضوع بأكمله، مؤدين دوراً حقيراً، مدعين الشرف رغم أنهم أبعد ما يكونون عنه، وتشهد عليهم فبركاتهم ومزايداتهم وقبضهم المنتظم من الجزيرة بحكم الظهور الدائم فيها، وانتقائهم تحديداً للسفر إلى هناك رغم أن كل من فى المهنة يعرف قدرهم، ويدرك جيداً لماذا تم اختيارهم تحديداً، وصرنا نتشرف بشتيمتهم لناوتشكيكهم فينا لأنها مذمة تأتى من ناقص، أو على راسه بطحة.
هؤلاء لن نذكرهم أو نشرفهم بترديد أسمائهم، لأن آخرين نحن الذين نتشرف بذكر أسمائهم والكتابة عنهم ومنهم زميلنا أحمد الليثى الذى قطع إجازته برغبته، ودون تكليف، لينزل إلى كرداسة، ويكشف الحقيقة، ويغطى الحدث، باحثاً عن خدمة يقدمها لقارئ لا يعرفه، وربما قرأ اسمه بالكاد، ولو تطلعت للصورة التى هى أبلغ من أى كلام ستجده منبطحاً على الأرض ممسكاً بموبايله وهو يملى خبر استشهاد اللواء نبيل فراج الذى وقع أمامه للتو برصاصة كان يمكن أن تخطئه لتستقر فى جسده هو شخصياً، ومن خلفه ثلاثة زملاء مصورين محترمين، ومن أمامهم اللواء الشهيد نبيل فراج مضرجاً بدمائه وهو يسلم الروح حتى تفيض إلى بارئها.
قبلها كان زملاء آخرون تم القبض عليهم من إرهابيين هناك، والاعتداء عليهم، ولولا تدخل أحد المراسلين الذى ينتمى لعائلة كبيرة هناك لتحرير زملائه لكانوا جثثاً هامدة الآن.
تحية لأحمد الليثى محرر «الوطن» ممثلاً لصحافة نفخر بها، وجيل نحترمه يقف فى قلب الحدث، سواء هو أو زملاؤنا (الرجالة) محمد حسام الدين وعلاء قمحاوى مصورا «المصرى اليوم»، وأحمد رمضان مصور «التحرير»، وأحمد عبدالفتاح مصور «الشروق»، وإسماعيل جمعة محرر «الأهرام»، وعصام أبوسديرة محرر «المصرى اليوم»، وعبدالوهاب عليوة ومحمود الجارحى ومحمد أبوضيف محررو «الوطن»، ومعهم المصور محمود صبرى.
أما هؤلاء ممن لم أتشرف بذكر اسمهم لعدم معرفتى بهم، وهؤلاء الذين كانوا يقومون بدورهم، ومن قبلهم زملاؤنا الذين لقوا حتفهم بدءاً من محمد محمود يوم 25 يناير، مروراً بكل الزملاء الذين فاضت أرواحهم وهم يؤدون المهنة فى كل الأحداث ومنهم الحسينى أبوضيف وصولاً لفض اعتصام رابعة وزميلنا المصور أحمد عاصم، وأحداث الحرس الجمهورى واقتحام كرداسة، فأعتذر لهم لأننى لا أعرف أسماءهم جميعاً، ولأن المساحة المتاحة أقل بكثير من كتابة أسمائهم، مؤكداً أن «ضُفرهم» برقبة كل من يجلس على حيله ليشكك فيهم وفى نزاهتهم على تويتر وعبر قناة تلعب دوراً مخابراتياً بامتياز وإيديهم جميعاً (فى المية) بينما المجد، كل المجد، لهؤلاء اللى إيدهم فى النار.
(2)
كثيرون كتبوا عن اللواء الشهيد نبيل فراج، لكن ما يهمنى أن ألفت النظر إليه هنا هو معنى أن يموت القائد وسط جنوده، لا أن يعرض حياتهم للخطر وهو جالس فى مكتبه. هذا الرجل محترم، ولعل جنازته العسكرية الشعبية أمس تعطيك أملاً فى شعب يفرق بين الضابط المحترم الذى يستحق أن يكون شهيداً والضابط الذى لا يستحق أصلاً بذلته العسكرية
(3)
وصلت الحقارة بالبعض أن يشكك فى مقتل اللواء بناء على شاهد عيان، ووصلت القذارة بالبعض الآخر أن يحرف فى كلام د.هشام عبدالحميد الطبيب الشرعى الذى قال إن الرصاصة التى قتل بها اللواء نبيل رصاصة ميرى من عيار 9 مم أطلقت من مكان قريب، ليصور بعض الحقراء فى فيديوهات انتشرت بسرعة وطريقة مدروسة أن اللواء الشهيد مات بأيدى جنوده وهو شىء حقير فعلاً.
فعيار الـ9 مم، لا يعنى أن من أطلقه من الشرطة، والطبنجات والأسلحة التى سرقها الإرهابيون من قسم كرداسة تشهد بذلك، والطبيب الشرعى لم يقل إن إطلاق النار من مسافة قريبة، وإنما من مسافة تزيد عن 45 سم، بمعنى أنها تمتد لأمتار وأمتار، لكن هواة الصيد فى الماء العكر الذين يجلسون فى بيوتهم قرروا أنها نيران صديقة، بينما شهود الواقعة من زملائنا ومن الضباط يعرفون جيداً الحقيقة.
المصدر : جريدة الوطن