لابد أننى رجل غريب الأطوار حقا. لأن هناك أشياء يعتبرها الكثيرون عادية تثير غضبى إلى الحد الذى أتمنى معه الموت لنفسى! أكون فى غاية من الحزن، صدرى ضيق وأنفاسى ثقيلة! لا شىء يثير اشمئزازى مثل تعمّد الكذب. مهما كانت الغاية نبيلة وهناك اتفاق عليها، فيجب أيضا أن تكون الوسيلة نظيفة وأخلاقية. لا يجوز على الإطلاق أن أكذب على الناس حتى لو كان هدفى أن أجعلهم يعبدون الله عز وجل. فما بالك لو كانت الغايات مما يختلف عليها الناس بطبيعة الاجتهاد البشرى!!.
لقد ساءنى ما تورط به بعض الإعلاميين المصريين من أن مذيعة الجزيرة زعمت أن مظاهرة إخوانية تكونت من ٢٥ مليوناً. لأننى حينما استمعتُ إلى النص كاملا وجدتها زلة لسان تم تصحيحها بعدها بثانية واحدة، وقالت المذيعة إنها تقصد ٢٥ ألفا.
أرجوكم أن تفهمونى ولا تزيدوا من إحساسى بالغربة فتظنون أننى أدافع عن قناة الجزيرة. إننى أدافع فقط عن الحقيقة. أدافع عن قيمة الصدق فقط وعن قيم الاستقامة، حتى ولو كنا مع قناة «الجزيرة »فى حالة خصومة. يقول ربنا عز وجل:«لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». ويؤكد الرسول المصطفى أن المؤمن قد يكون جبانا أو زانيا ولكنه لا يكون كاذبا.
لقد كتبتُ من قبل منددا بالذين يبالغون فى إثبات «الإعجاز العلمى فى القرآن» فينتحلون المعجزات ويُحمّلون القرآن ما لم يقله، رغم اتفاقى معهم فى صحة الهدف، وهو إثبات المصدر السماوى للقرآن الكريم والذى لا أشك فيه لحظة. ولكن كانت المحاذير أمامى واضحة، ولا يمكن أن أحيد عنها. مهما كانت الغاية التى أريد الوصول إليها نبيلة، مهما كانت النتيجة التى أحاول إثباتها صحيحة، فلابد أن تكون الوسائل مستقيمة وأخلاقية. إن ربنا طيب ولا يقبل إلا الطيب. سبحانه وتعالى.
ولقد هاجمتُ الإخوان فى مقالات كثيرة طيلة عام حكمهم، هاجمتهم بما اقترفوه فعلا. أما أن أفترى عليهم الكذب، وأقبل الشائعات واضحة التلفيق، والتى لا يوجد دليل عليهم لمجرد كرهى لهم أو اختلافى معهم، فذلك ما لا يرضى الله عز وجل. والأمثلة أكثر من أن تُحصى، مثل مضاجعة الوداع التى زعموا أن مجلس الشعب السابق ناقشها، وهذا لم يحدث قط.
أتثبتُ ولا أقبل الأقوال المرسلة. نبيل حتى مع أعدائى. صادق حتى مع خصومى. مستقيم وإن كذبوا علىّ. هذا ما يجب أن يكونه المسلم الحق. لماذا نكذب ونحن لا نحتاج إلى الكذب؟ من كانت حجته دامغة ويؤمن بأن الله هو القوة الوحيدة الفاعلة فى الكون، وأن كل من سواه أشباح زائلة، وحتى إن بدوا لوهلة مؤثرين أو فاعلين فى مصائر غيرهم، فإنما هى أقدار الله تحركهم من خلف ستار.
من عزّته – سبحانه وتعالى – أنه لا يحتاج أن يُعلن عن نفسه أو يُدلّ بجبروته أو يباهى بقوته، الملك ملكه والناس عبيده، شاءوا ذلك أم أبوا! والكون معلقٌ بأمره، ما بين (الكاف) و(النون) تتحقق إرادته. قاهرٌ فوق عباده! سيدٌ على خلقه، نافذةٌ مشيئته، غالبٌ على أمره! الكل يسبح بحمده والخلائق تتملقه. ولسان حال الكون يقول فى كل يوم: «لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».
المصدر :جريدة المصري اليوم