«ماذا يريد الإخوان المسلمون؟».. هذا هو السؤال الذى يطرحه الجميع اليوم، ومن بينهم الإخوان أنفسهم. فلا أحد فى مصر ولا خارجها من غير الإخوان يعرف بدقة ماذا تريد الجماعة بعد أن أدخلت نفسها والبلاد معها فى الأزمة الأخطر منذ تأسيس الدولة الحديثة فى مصر قبل أكثر من قرنين. فالجماعة، أو ما تبقى منها، تبدو غير مدركة بدقة حجم واتساع التغييرات التى حدثت فى البلاد بعد عام من حكمها لمصر، ونحو ثلاثة شهور من ثورة أغلبية المصريين عليه وإسقاطه. لايزال قسم من الجماعة غير قليل يظن أن العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل ٣٠ يونيو هى هدف ممكن وقابل للتحقيق، فقط مزيد من الضغوط والاستعانة بقوى دولية ويتم المراد. قيادات الجماعة المتشددة التى أودت بها مطامعها واستهانتها بكل من هم خارجها، بمن فيهم الشعب المصرى نفسه، تظن أن ما شهدته مصر منذ ٣ يوليو هو مجرد فاصل قصير تم بمؤامرة اشتركت فيها أطراف متعددة، أهمها أجهزة الدولة، وعلى رأسها الجيش والشرطة.
والعودة إلى ما قبل ٣٠ يونيو هو هدف، يبدو مقنعاً لأعضاء الجماعة وبعض من حلفائها القليلين المتبقين، فيواصلون تطبيق استراتيجية العرقلة التى وضعتها لهم القيادة المتشددة، التى تقوم على فرض حالة من الفوضى والإنهاك للأوضاع فى البلاد بصورة يومية، بما يؤدى فى النهاية- حسب تصورها- إلى إيقاف أى إمكانية للتقدم الاقتصادى وأى قدرة على التطور السياسى. هدف العودة لما قبل ٣٠ يونيو يبدو حتى اللحظة محصوراً فى قطاع كبير من القيادة المتشددة لجماعة الإخوان، ومعهم بالطبع تابعوهم من أعضاء الجماعة الملتزمين بالسمع والطاعة، ولكنه لا يمتد خارجهم سوى إلى عدد محدود من القيادات والأفراد الإسلاميين الذين ارتبطت مصالحهم وأقدارهم السياسية بالجماعة، بينما يبدو مؤكداً أنه لا يوجد تنظيم أو جماعة واحدة من حلفائها القريبين، وعلى رأسهم الجماعة الإسلامية، يشاركونهم هذا الهدف.
ويبقى قطاع آخر من قيادات الإخوان الوسطى يتبنى هدفاً آخر مختلفاً نسبياً، وهو إجراء مفاوضات مع من يظنون أنه الخصم الرئيسى وهو الجيش، من أجل العودة بصورة جديدة إلى الحياة السياسية للبلاد. ويرى هؤلاء أنه بالإمكان التخلى عن بعض الأهداف مستحيلة التحقيق، وعلى رأسها عودة الرئيس المعزول محمد مرسى مقابل الإفراج عن الغالبية الساحقة من قيادات الجماعة، وتحرير أموالها المصادرة، وإعادة مشاركتها فى الخطوات السياسية الجارية حالياً بما فيها تعديل الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
وبحسب هذا القطاع، فإن الجماعة مطالبة لكى تستعيد صورتها وقدرتها فى المجتمع المصرى بأن تقدم بعضاً من الندم والاعتذار عما قامت به من «أخطاء» – حسب وصفهم – إلى الشعب المصرى، على ألا يتضمن هذا أى مساءلة جنائية أو قضائية لها ولقياداتها، وهو أمر يحسبون أنه سيعيد ثقة المصريين فيهم، فيخوضون مرة جديدة الانتخابات، ويفحمون كل خصومهم بالعودة عبر صناديقها إلى الحكم، حيث لن يغادروه بعدها أبداً. وبالطبع يتضمن هذا التصور أن الجماعة ستعود بعد «المصالحة» بكامل هيئتها ومعها حزبها وجمعياتها الأهلية وكل مؤسساتها الاقتصادية، كما كان الحال قبل ٣٠ يونيو.
وبين هذين التصورين لمستقبل الجماعة، يبدو واضحاً أن قيادات الإخوان سواء المتشددون أو من يسمون المعتدلين، لم يدركوا بعد ماذا جرى فى مصر، وأن مجرد القبول بعودة كيان خارج القانون وخارج العصر يسمى «الجماعة» يظل مغلقاً وسرياً فى كل شؤونه عن عموم المصريين الذين سيخضعهم لحكمه، إنما هو أمر أقرب للخيال أو الوهم. لم يعد أمام الجماعة اليوم سوى أن تطهر نفسها ممن أجرموا فى حقها قبل أن يجرموا فى حق البلاد والعباد، وأن يتخذ من لديه الوطنية والشجاعة من قياداتها قرارا وحيدا بحلها ذاتياً، والخضوع لحكم القانون بالنسبة لكل من تورط منهم فى جرائم أو مخالفات، ثم بعد هذا الانخراط فقط إما فى حزبهم السياسى أو فى جمعيات ومنظمات أهلية تخضع جميعها للقانون وللرقابة الشعبية والرسمية. أما غير هذا، فإنه الانتحار ونهاية الجماعة بتيارها كله بعد خمسة وثمانين عاماً من تأسيسها. الاختيار واضح أمام قيادات الإخوان.
المصدر: جريدة المصري اليوم