المقاطعة التى نسيناها
قررت دول الاتحاد الأوروبى وضع علامات تميز منتجات المستوطنات المقامة فوق الأراضى الفلسطينية المحتلة، بحيث تعرض فى الأسواق ليس على أنها مصنعة فى إسرائيل، ولكن باعتبارها مصنعة فى المستوطنات. القرار الذى اتخذ يوم الأربعاء الماضى ١١/١٠ أثار انزعاج وغضب الحكومة الإسرائيلية. إذ خشيت أن تحذو دول أخرى حذو الاتحاد الأوروبى، فضلا عن أنها اعتبرت القرار موجها ضدها وضارا بها من الناحيتين السياسية والاقتصادية. وهو ما عبرت عنه صحيفة «يديعوت أحرنوت» (عدد ١٢/١١) التى نقلت عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إن أوروبا يجب أن تخجل من نفسها بعدما شبه القرار بالممارسات النازية. وذكرت أن الرئيس الإسرائيلى روفين ريفلين قرر إلغاء زيارته لمقر الاتحاد الأوروبى بسبب القرار. أما صحيفة «معاريف» الصادرة فى اليوم ذاته فقد أضافت أن إسرائيل علقت حوارها السياسى مع الاتحاد الأوروبى، وأشارت إلى أن العمال الفلسطينيين الذين يعملون فى مصانع المستوطنات سيتم الاستغناء عنهم فى هذه الحالة، بسبب حصار منتجاتها.
قرار الاتحاد الأوروبى صدر بعد ١٥ يوما من نشر صحيفة الجارديان (فى ٢٧/١٠) بيانا وقعه ٣٤٣ من الأكاديميين البريطانيين أعلنوا فيه قرارهم مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية لمخالفتها للقانون الدولى ودعمها للاحتلال. وذكر فى هذا الصدد أن معهد «التخنيون» فى حيفا يساعد فى تطوير التقنيات التى تستخدم فى هدم بيوت الفلسطينيين. وكانت صحيفة الجارديان أيضا قد نشرت فى ٢٠/١٠ أن ٧٠٠ فنان بريطانى يتوزعون على عالم الأدب والسينما والمسرح والموسيقى قد أعلنوا مقاطعة إسرائيل طالما استمرت فى إنكار الحقوق الفلسطينية الأساسية.
موضوع المقاطعة مثير للقلق فى إسرائيل. ليس فقط بسبب أصدائه السياسية، ولكن أيضا بسبب تداعياته الاقتصادية. وكانت القناة الإسرائيلية الثانية قد بثت فى ٨/١١ تقريرا ذكر أن الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبى تراجعت فى الأشهر التسعة الأولى من العام الحالى بنسبة ٢.٦٪ بالمقارنة بالفترة ذاتها فى العام الماضى. فقد بلغت قيمة صادرات هذا العام فى تلك الفترة ١٠ مليارات و٤٨١ مليون دولار، فى حين أنها كانت فى الفترة المماثلة من العام الماضى عشرة مليارات و٧٧٥ مليون دولار. وهو ما انعكس على العجز فى الميزان التجارى الذى بلغ هذا العام (فى الفترة ذاتها) ٤ مليارات و٨٢٥ مليون دولار. بينما كان فى الفترة المقابلة من العام الماضى أربعة مليارات و٥٠ مليون دولار.
قرار الاتحاد الأوروبى اتخاذ إجراءات مقاطعة إسرائيل صدر استنادا إلى أحكام محكمة العدل الدولية فى لاهاى عام ٢٠٠٤، التى قضت بضرورة اتخاذ موقف إزاء المستوطنات المقامة على أراضى الضفة الغربية والقدس والجولان. باعتبار أنها تخرق المادة ٤٩ من ميثاق جنيف الذى يحظر على دولة محتلة أن توطن سكانها فى المناطق التى تحتلها.
الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل التى دعت إليها ١٧١ منظمة فلسطينية غير حكومية فى عام ٢٠٠٥ تلقى أصداء إيجابية فى العديد من الدول الغربية ــ أوروبا وأمريكا وكندا ــ وهى أكثر نشاطا فى انجلترا، وقد انضم إليها بعض مثقفى اليهود. ونشرت جريدة الشرق الأوسط أخيرا (فى ٢٣/١٠)مقالة لاثنين منهم كان عنوانها: لهذه الأسباب اخترنا مقاطعة إسرائيل، والاثنان هما ستيفن ليفيسكى الأستاذ بجامعة هارفارد وجلين ويلى الأستاذ المساعد بجامعة شيكاغو. ومن أهم الأسباب التى ذكراها فى المقالة أن إسرائيل تعتبر أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، وأنها تمارس سياسة التميز العنصرى ضد الفلسطينيين من خلال التوسع فى الاستيطان الذى تضاعف ٣٠ مرة فى الضفة الغربية (من ١٢ ألف مستوطن عام ١٩٨٠ إلى ٣٨٩ ألف مستوطن فى الوقت الراهن)مما ذكراه أيضا أن ما يهدد أمن إسرائيل حقا هو استمرار احتلالها للأراضى الفلسطينية. وهى الحقيقة التى سجلها ستة من القادة السابقين لجهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى (شين بيت)إلى وثائق نشرت عام ٢٠١٢.
لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالخجل حين يكون ذلك حاصلا فى المجتمعات الغربية التى لا صلة عضوية لها بالقضية. فى حين أننا لا نجد له أثرا يذكر فى عالمنا العربى الذى اعتبر فلسطين قضيته المركزية. حتى المستوطنات التى اتخذ الاتحاد الأوروبى موقفا ينطلق من عدم الاعتراف بشرعيتها، أصبحت تستقبل فى العالم العربى بيانات مكررة ومملة تستنكرها وتطالب الآخرين بتحمل مسئوليتهم إزاءها. بل إن الدول المتصالحة مع إسرائيل لم تفكر فى التعبير عن استيائها عن طريق استدعاء سفراء إسرائيل أو بسحب سفرائها «للتشاور». إلى أن صدمنا أخيرا (فى ٤/١١) بتصويت مصر ودولتين عربيتين لصالح انضمام إسرائيل إلى عضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى التابعة للأمم المتحدة. وهى الخطوة التى تحدث لأول مرة. واعتبرتها الدوائر الإسرائيلية نقلة «تاريخية». الأمر الذى يعنى أننا تراجعنا كثيرا إلى الوراء، إذا ما عدنا نتطلع إلى مقاطعة إسرائيل، ولكننا صرنا نتمنى ألا نذهب بعيدا فى موالاتها وتدليلها.
فى الاستطلاع الذى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)حول الدول المعادية لمصر احتلت إسرائيل المركز الأول (٨٨ نقطة) بزيادة ٥٠ نقطة عن الولايات المتحدة التى جاءت فى المركز الثانى. وهو ما يدعونى لطرح السؤال التالى: إذا كان ذلك رأى المجتمع المصرى. فعن أى مجتمع إذن عبر الذين صوتوا لصالح إسرائيل؟
المصدر: جريدة الشروق.