مجموعة سعودي القانونية

حسن-نافعة

 

فى كل مرة أدلف فيها إلى مبنى التليفزيون فى ماسبيرو ينتابنى شعور عميق بالأسى على ما وصل إليه حال البلاد، ممزوج بشعور مماثل بالإشفاق على كل من يتولى مسؤولية إدارة الإعلام الرسمى فى مصر. ولأننى دعيت مرارا من قبل للمشاركة فى برامج حوارية تبثها مختلف قنوات التليفزيون المصرى، الأرضية والفضائية، فقد أتيح لى أن ألمس عن قرب مظاهر تخبط، وفوضى، وارتباك، وسوء إدارة، وعدم كفاءة، وإهمال، وفساد يعج بها هذا المبنى الضخم، الذى يعمل به ما يقرب من خمسين ألف موظف، ويبدو أنه خرج عن نطاق السيطرة. والواقع أننى كثيرا ما شعرت بالحاجة إلى الكتابة عن بعض هذه المظاهر السلبية، لكننى كنت أتراجع فى اللحظة الأخيرة، محاولا إقناع نفسى بعدم جدوى الكتابة عن أمور لم تعد خافية على أحد، لا على الرأى العام ولا على المسؤولين. ولأن الكيل طفح، فقد قررت أن أكتب اليوم عن تجربة شخصية مررت بها يوم الخميس الماضى، حتى ولو لم يكن لذلك من فائدة أخرى سوى «الفضفضة» و«التنفيس» عن بخار مكتوم!

فقد دعيت يوم الخميس الماضى للمشاركة فى برنامج «السكوت ممنوع»، الذى تقدمه الإعلامية نهلة عبدالعزيز، ويبث على الهواء مباشرة فى تمام الساعة الحادية عشرة مساء. ولأن المشاركة فى أى من البرامج التى يبثها التليفزيون المصرى من ماسبيرو تستقطع من وقتى ما لا يقل عن أربع ساعات كاملة، نظرا لبعد المسافة وزحام المرور، فكثيرا ما يتعذر على تلبية جميع الدعوات. غير أن معد برنامج «السكوت ممنوع» ألح على هذه المرة وذكرنى بوعد سبق أن قطعته على نفسى، فأسقط فى يدى وقبلت دعوته، راجيا التأكد من موعد بدء البث المباشر بدقة، فعاود الاتصال بى قائلا: «فى الحادية عشرة مساء بالثانية!».

كان على أن أتحرك من منزلى فى تمام التاسعة والنصف، وتمكنت من الوصول بالفعل إلى الاستوديو قبل الموعد المحدد للبث بثلث ساعة على الأقل. بعد دقائق حضرت السيدة/ نهلة عبدالعزيز، مقدمة البرنامج، وقد بدت عليها علامات القلق والارتباك. وسرعان ما تبين أنها علمت الآن فقط أن رئيس القناة الأولى، السيد/ على سيد الأهل، قرر فجأة، دون سابق إنذار وبلا أى مبرر موضوعى، بث برنامج آخر اسمه «فى حب مصر»، لم يكن مدرجا أصلا على الخريطة، لم يكن أمامنا حينئذ سوى الاختيار بين أحد بديلين: تسجيل البرنامج، على أن يبث بعد ساعتين، أو الانتظار حتى الواحدة صباحا لبث مباشر، لكن أحدا لم يتحمس لهذا الاقتراح، بما فى ذلك الأستاذ نشأت الميهى، الضيف الآخر فى البرنامج، وانصرف الجميع دون أن يسجل البرنامج أو يبث على الهواء.

ربما لا تختلف هذه الواقعة كثيرا عن وقائع أخرى تعكس حجم الفوضى الضاربة فى أعماق جهاز إعلامى يبدو الآن بلا صاحب، وكان يمكن أن تمر دون تعليق من جانبى لولا أننى فوجئت بخبر منشور، تناقله العديد من المواقع الإلكترونية نقلا عن «اليوم السابع»، يتطرق إلى ما وراء الكواليس، ويؤكد أن دعوتى لهذا البرنامج كانت أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت رئيس القناة الأولى للتصرف على هذا النحو. أما السبب، كما يقول الخبر، فلأن الحلقة كانت مخصصة لمناقشة موضوع «الإعلام الكاذب»، فخشى رئيس القناة ذو الميول الإخوانية أن يكون الموضوع مدخلا للهجوم على قناة الجزيرة، التى تتبنى سياسة الإخوان وتروج لها.

لست متأكدا من دقة المعلومات التى أوردها الخبر، أما إذا تبين أنه صحيح فدلالاته الخطيرة لا يمكن أن تخفى على أحد. فالقضية هنا ليست شخصية وإنما تتعلق بطريقة إدراك رئيس قناة حكومية لما ينبغى أن تكون عليه رسالة الإعلام الرسمى، وبمدى اتساق مسلكه هذا مع أصول وتقاليد المهنة، وبحدود السلطات والصلاحيات التى يستطيع أن يمنحها لنفسه عند تعامله مع مواقف لا تتفق مع أهوائه أو ميوله السياسية. ولأن ما حدث معى قابل للتكرار مع أى شخص آخر، وربما يكون قد تكرر كثيرا من قبل، أظن أن الأمر يحتاج إلى تحقيق شفاف يكشف عن حقيقة الأسباب التى دفعت بمسؤول كبير للتصرف على هذا النحو المعيب، وكأن القناة التى أسندت إليه مسؤولية إدارتها «عزبة» خاصة يستطيع أن يتصرف فيها كما يشاء، أو «دكان» يستطيع أن ينتقى بنفسه ما يعرض فيه من بضاعة، وأن يبيعها فى الوقت الذى يحدده وبالسعر الذى يريده.

فهل يدرى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بما يدور فى هذا المبنى؟ وما رأى وزيرة الإعلام، السيدة درية شرف الدين، التى أكن لها كل احترام وتقدير، فيما يجرى؟ ألا تستحق مصر جهازا إعلاميا أعلى كفاءة وأكثر مدعاة للاحترام؟

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *