لم يكن الباحث المتميز الدكتور سامر سليمان رحمه الله ينتمي إلى مدرسة «ياختي كده ينفع وكده ينفع» التي يتبعها بعض الذين جعلوا التحليل السياسي مهنة سيئة السمعة، ولذلك سيظل كتابه (النظام القوي والدولة الضعيفة) برغم مرور سنوات على صدوره مرجعا مهما لفهم جرائم نظام مبارك التي يتم إعادة انتاجها الآن مع تخيل البعض أن قوة النظام وبطشه يمكن أن تغني عن ضعف الدولة وتداعيها، وهو ما يزيد من أهمية قراءة كتاب سامر سليمان وتأمله.
أسعدني أن يقوم مجموعة من أصدقاء سامر وعلى رأسهم رفيقة دربه ماري مراد شنودة بإنشاء (مؤسسة سامر سليمان) التي يتم تدشينها في السابعة مساء اليوم بحديقة الحرية بالمعادي، متشوق لمتابعة نشاطات المؤسسة التي أتمنى أن يكون من بينها جمع المقالات الرائعة التي كان يكتبها في صحيفتي (البديل) و(الشروق) في كتب سيستفيد منها الكثيرون، فلا زال حالنا كما هو، ولا زلنا محتاجين إلى الإستفادة من أفكار سامر سليمان التي كان يزيدها تميزا انحيازها لقيم الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية. وقد اخترت على سبيل التحية لسامر سليمان الذي كان رحيله فاجعا لكل من عرفوا قدره أن أضع بين يديك أجزاء من مقال له بعنوان (دليل المواطن الذكي لتأييد المرشح الرئاسي الأفضل) نشره في مطلع مارس 2011 لكنك ستشعر أنه مكتوب لتوّه:
«الشهر الماضى تجرع المصريون من السياسة ما لم يتجرعوه طوال عصر مبارك. الشعب كان جوعان سياسة. وها هو يأكل من السياسة حتى التخمة. ولكى لا تتحول هذه التخمة إلى عسر هضم، يجب أن ننشط قدرتنا على هضم السياسة بواسطة تنظيم الصفوف وتكثيف الحوار حول قضايا مفصلية خاصة بمستقبل مصر وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للبلاد…. وإلى هؤلاء الذين عليهم ترجيح كفة مرشح الآن أكتب هذه المقالة فتحا للنقاش حول المؤهلات التى يجب أن يتحلى بها الرئيس القادم لكى ينجح فى قيادة مرحلة انتقالية تتم فيها تصفية نظام مبارك ووضع الدعائم الأساسية لقيام نظام ديمقراطى. هذه هى من وجهة نظرى مواصفات المرشح الجدير بدعمنا :
كفء.. متعلم.. ومجيد للغة العصر: لم تكن ثورة مصر الديمقراطية لتنجح بدون مهارات التنظيم والتعبئة والحشد التى أعدت ليوم 25 يناير والتى واكبت نمو الثورة واتساعها، لاشك أن قطاعا مهما من شباب مصر المتعلم والمجيد لمهارات التواصل على الانترنت كان قوة ضاربة فى معركة التغيير، لقد هزمنا نظام مبارك بالعلم كما هزمناه بدم الشهداء والجرحى. ومن هنا فإن رئيس مصر القادم لابد أن يكون شخصية ذات علم رفيع وذات كفاءات إدارية…
عارف لمصر وقائد لفريق من العارفين بها: مصر فيها طاقات هائلة معطلة وفيها مشاكل كثيرة معقدة. نحتاج رئيسا عارفا بخريطة امكانات مصر كما بمشاكلها. لكننا نعيش فى عصر مؤسسات، عصر يقوم على التخصص وتقسيم العمل، لا يمكن لشخص فيه أن يفهم فى كل شىء. لذلك لابد أن يكون للمرشح كتيبة من المتخصصين فى الشئون المختلفة لكى يشوروا عليه ويساعدوه فى اتخاذ القرارات. فليكن شعارنا هنا فى تقييم المرشحين: قل لى من هم معاونوك أقل لك من أنت.
برىء من جرائم النظام السابق ومؤمن بحقوق الإنسان: لا يكفى أن يكون رئيس مصر القادم كفئا. فالكفاءة إذا لم تكن مصحوبة بالشرف والخلق لن تكون مُسخرة لخدمة الشعب. لابد وأن يكون سجل المرشح ناصعا فى مجال النزاهة. ولابد ألا يكون قد عمل فى خدمة النظام القديم أو تواطأ معه. لابد أن يكون سجله فيه إدانة لجرائم نظام مبارك ضد الشعب، من تعذيب للناس واهانتهم ومن سرقة أموال الشعب وتزييف إرادته. ولابد أن يكون إيمانه بحقوق الإنسان راسخا، بكل ما تعنيه حقوق انسان من حقوق متنوعة، على رأسها حق الانسان فى اختيار دينه أو عقيدته والتعبير عن آرائه بحرية كما حقه فى العلاج والتعليم والسكن.
ديمقراطى توافقى: رئيس مصر لن يكون ممثلا لتيار سياسى أو فكرى واحد. فالثورة صنعتها جماعات وقوى متنوعة منها ما يمكن تصنيفه مثل الليبراليين والاخوان المسلمين واليسار ومنها ــ وهذا هو الجزء الأعظم ــ صعب تصنيفه بالمواصفات التقليدية. لذلك لابد أن يكون الرئيس القادم قادرا على التعاون مع كل هذا الطيف السياسى، كما يكون قادرا على حشد تأييد جديد للثورة وأهدافها فى أوساط بعض قطاعات الشعب المصرى التى لا تزال مترددة تجاه التغيير الحادث فى مصر الآن.
صاحب رؤية استراتيجية لإصلاح الدولة المصرية : لقد ترك مبارك تركة ثقيلة لمن يأتى بعده. وأكبر مصيبة خلفها وراءه هى مؤسسات دولة ضعيفة ينخر فيها الفساد. الرئيس القادم سيكون بحكم منصبه القائد الأعلى للمسئولين والموظفين فى جهاز الدولة. من هنا نجاحه فى إصلاح الدولة يتطلب برنامجا محددا وجدولا زمنيا لإصلاحات الازمة، كما يتطلب حصوله على مساندة قوية من خارج جهاز الدولة للقيام بذلك. يأتى على رأس المؤسسات الواجب إصلاحها جذريا مؤسسات الأمن الداخلى المحتاجة لإعادة بناء لتطهيرها من العناصر الإجرامية والمستبدة التى تتعامل مع الشعب من منطلق السيادة عليه لا الخدمة له.
… لا أعتقد أن هذه المؤهلات تتوافر مائة بالمائة فى أى من الموجودين على الخريطة العامة فى مصر اليوم. فمبارك عمل بدأب طوال ثلاثين عاما على تجفيف منابع نمو القيادات السياسية. وعليه فاختيارنا للمرشح الرئاسى الأفضل لابد أن يقوم على الوصول إلى أكثر مرشح يحصل على نقاط وفق معايير محددة. لقد حاولت فى هذه المقالة طرح بعض من هذه المعايير. علّ النقاش يضيف إليها وينقح فيها. فلتعمل بهمة ونشاط لكى نحصل على أفضل رئيس ممكن لمصر فى المرحلة المقبلة. والمجد لمن سيقود مسيرة الثورة من مقعد رئيس الجمهورية. فالمهمة شديدة الصعوبة».
لا زالت الخيارات صعبة ومريرة، ولا زال البحث جاريا، ولا زالت المؤهلات التي تحدث عنها سامر هي وحدها الكفيلة بوضعنا على أول الطريق الصحيح. رحم الله سامر سليمان وألهم مصر وأهلها الصبر والسلوان والتوفيق.