فى مصر ٧٨ حزبًا.
هل تشعر بها؟
ما أقرب حزب إلى بيتك؟ لا أقول إلى قلبك، ولكن إلى بيتك، حيث مقرّه أو نشاطه أو مؤتمر عقده أو طَرْق بابك، ليدعوك لاجتماع أو يسألك رأيك.
لا أحزاب حقيقية جماهيرية. ولا وجود واسع ولا جمهور منتشر.
تتحدّث الأحزاب عن نفسها بمنتهى البارانويا، كأنها أحزاب بجدّ أو أحزاب جادّة. وتنشغل جدًّا بممثليها فى لجنة الدستور للدفاع عن نظام الانتخاب بالقائمة.
كأنها ماسكة على أحد ذِلَّة.
حسنًا.
أين أنتم؟
فى قاعات مغلقة ومؤتمرات نخبوية وجلسات تليفزيونية أكثر من وجودكم فى الشارع وبين الناس وفى قلب الواقع اليومى.
تشكو الأحزاب من أنها ما زالت حديثة التكوين.
كويس جدًّا.. إذن تكلّموا على قدّ عمركم.
تحكى الأحزاب عن نقص أموالها.
هايل فعلًا. وما الذى يدفع مفلسين إلى تكوين حزب؟ ومتى كانت الأحزاب تنجح وتنتشر وتحظَى بالجماهير وبالحكم وهى إيد ورا وإيد قُدّام وبتسأل ربنا حق العشاء؟
أىّ مجموعة قررت إنشاء حزب دون توفير تمويل حقيقى ومناسب تبقى مهرّجة وتخدع الناس، فلا حركة ولا دعوة ولا نجاح بلا أموال. وجمع مئات وعشرات الجنيهات من الأعضاء أمر يليق بنشاط طلابى لا سياسى وحزبى.
تتذمّر الأحزاب من هجوم الإعلام عليها وتحسبه انتقاصًا من قَدْرها. طيب، وماذا عن هجوم بعض أعضاء الأحزاب نفسها على بعض والانشقاقات اليومية فى كل حزب والاتهامات المتبادَلة بتكوين الشِّلَل وتوزيع المناصب بالمحاباة والمصالح؟
تقول الأحزاب إنه يجب أن تدعمها مواد الدستور حتى تقوّيها، ولا أعرف هل المفروض أن تقوّى الأحزاب البلد أم أن البلد هو الذى يفترض أن يقوّى أحزابًا ضعيفة؟
تزعم الأحزاب أن لديها برامج تغيّر شكل مصر. وهذا جائز جدًّا على اعتبار أن تغيير شكل مصر قد يجمّلها أو يشوّهها، لكن السؤال: ولماذا لا تظهر هذه البرامج فى أفعال وقرارات وزراء قادمين من هذه الأحزاب؟
تُخبرنا أحزاب أنها تندمج مع أخرى، وهذا ممتاز فعلًا، لكن لماذا لم نرَ الشارع وقد اهتزّ طربًا أو تجلجل فرحًا لمثل هذه الاندماجات التى يعود قيادات الأحزاب لنفيها بعد نشرها بدقائق؟ ولماذا نسمع منذ شهور طويلة عن مفاوضاتهم التى لا تريد أن تنتهى؟
قد تصبح هذه الأحزاب أعظم أحزاب فى الدنيا بعد فترة. وقد تتحوّل بإرادة أعضائها إلى أهم أحزاب الوجود الإنسانى.
ممكن جدًّا، لكن ليس الآن.
إذن، لماذا لا تتصرّف الأحزاب هذه الفترة بناء على أحجامها الحقيقية وأوزانها الواقعية؟
ستنجح المرحلة الانتقالية لو تكلّم كل حزب على قدّه فعلًا قبل أن يأمر الشعب بأن يسمع كلامه.
وسيتقدم البلد لو تذكّر كل حزب عدد أعضائه وحجم تأثيره قبل أن يطالب الدولة بأن ترضخ له وتوافق على آرائه.
المصدر: جريدة التحرير