مجموعة سعودي القانونية

معتز-بالله-عبد-الفتاح

لم أدرس فى حياتى مقرراً فى التنظيم الدولى، سواء فى القاهرة أو فى الولايات المتحدة، على مستوى البكالوريوس أو الدكتوراه، إلا وتجد أن الأستاذ الذى يدرس المادة، وبغض النظر عن جنسيته، ينتهى إلى القول: «مجلس الأمن يحتاج لإصلاح؛ لأنه يعبر عن موازين قوى الحرب العالمية الثانية حين كان فى العالم ثلاثون دولة مستقلة فقط». وكان دائما سؤال الدارسين: ومن الذى سيقوم بالإصلاح؟ هل سيكون نوعا من الصدقة تمن به الدول الكبرى على الدول الصغرى، أم أنه يعبر عن حركة مطلبية واسعة تقودها الدول التى استقلت وأصبحت جزءا فاعلا فى بنية الاقتصاد السياسى للعلاقات الدولية؟ وكان دائما السؤال أيضا: من الذى سيضع الجرس فى رقبة القطة؟ أى من الذى سيقف قائدا لهذه الحركة المطلبية الدولية فى ظل ترهل التنظيمات الدولية المعبر عن دول الجنوب؟

ويأتى القرار الثورى من واحد من أكثر أنظمة العالم محافظة ورغبة فى استقرار الأوضاع فى منطقتها والعالم، أى من المملكة العربية السعودية.

قررت المملكة فجأة أن تعتذر عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن الدولى كعضو غير دائم لمدة عامين. والمعتاد فى دول الجنوب أن الدول تتوق لمثل هذا المقعد لأنه يكسبها مكانة دبلوماسية دولية فى ترجمة ميكانيكية لما كان يقوله رائد مدرسة تحليل مدرسة القوة فى العلاقات الدولية، هانز مورجانثو، صاحب المقولة الشهيرة: اكتساب القوة، إظهار القوة، منع العدو من الحصول على أسباب القوة، هى المحركات الثلاثة الأهم لأى فاعل دولى. لكن موقف المملكة يتناقض مع هذا التحليل الكلاسيكى بما يفتح باباً للتساؤل: هل هى مجرد حركة احتجاج مؤقتة بسبب مواقف المجلس الرعناء فى الملف السورى، أم أن المملكة ستتقدم الصفوف بما لها من وزن وثقل إقليميين ودوليين لخلق نمط متكرر يترتب عليه وضع ملف إصلاح مجلس الأمن على مائدة النقاش الدولى بجدية؟

من يطالع ردود الفعل العالمية يتأكد من أن هناك محاولة دولية، سواء داخل الأمم المتحدة أو بين القوى الكبرى، لاحتواء القرار السعودى، ومصطلح «احتواء» يعنى أن يكون حالة فردية غير قابلة للتكرار؛ لأنه لو انتقل الموقف السعودى بالعدوى الدولية خارج إطار المملكة فستفقد المنظمة الدولية جزءا من شرعية وجودها باعتبارها منظمة لا تتمتع بالاستقلال النسبى عن دولها الكبرى، وإنما هى أداة طيعة فى يد القوى الكبرى إن شاءوا استخدموها وإن شاءوا تجاهلوها.

أمام المملكة بديلان كبيران، البديل الأول هو: بديل «المكسب الأقصى» بأن تعتبر تحركها مقدمة لإصلاح شامل لمجلس الأمن، وستتضامن معها من حيث المبدأ قوى كثيرة وكبيرة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا ومصر وتركيا والهند واليابان وألمانيا وإندونيسيا. والعائد الأكبر فى البديل هو أن تكون المملكة رائدة «الفعل» الدولى وليست فقط رائدة «المناشدة» الدولية من أجل إصلاح مجلس الأمن.

وجود موجة دولية تطالب بهذا المكسب الأقصى سيخلق أزمة كبيرة للقوى الكبرى؛ فمن دروس التاريخ أن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة والهند وحلفائهما سعت لأن تنضم الصين إلى الأمم المتحدة رغم ما بين الدولتين والصين من عداء شديد فى أعقاب الثورة الشيوعية، لماذا؟ لأن الصين بعيدا عن الأمم المتحدة ستكون بلا تمثيل دولى أو خضوع لأى معايير فى قراراتها أو سلوكها الخارجى أو الداخلى. أما أن تدخل فى دائرة «المواطنة الدولية» فهذا سيعنى إمكانية محاسبتها فى ضوء القانون الدولى بعيدا عن ظلمة الفوضى السياسية. وإذا بدا أن الموقف السعودى هو جزء من ترتيبات أكبر لضمان مجلس أمن أكثر عدالة فى بنيته وفى توجهاته، فإن القوى الكبرى ستكون أكثر استعدادا لأن تأخذ هذه المطالب بجدية تامة. وتبعاً لكل موقف دولى حاشد على هذا النحو، تكلفته وضغوطه التى ستنشأ عنه.

البديل الثانى هو: بديل «المكسب المحدود» بأن تصل رسالة قصيرة لكنها بليغة بأن «مجلس إدارة العالم» قصّر فى معالجة بعض الأزمات الإقليمية المرتبطة بالشرق الأوسط ورفع شعارات لم يلتزم بها وظل أسيراً لحسابات مصلحية ضيقة لدوله الكبرى وتظل المحن والمعاناة العربية بعيدة عن المهمة الأصلية للمجلس المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين.

راق لى الموقف الشجاع، ولكن الأمور لا بد أن تحسب استراتيجيا فى ما بعده.

 

المصدر جريدة الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *