عندما تزور مكتب الشهر العقارى لعمل تنازل رسمى عن أى شىء قمت ببيعه للغير «قصة فيلم، سيارة، قطعة أرض»، يسألك الموظف بشكل تلقائى قبل أن يقوم بتوثيق التنازل «أخدت فلوسك كلها؟»، سؤال سمعته على مدى السنوات الماضية فى كل مرة تعاملت فيها مع الشهر العقارى مهما اختلف المكتب أو الموظف أو المحافظة، سؤال بديهى لشخص يتنازل عن شىء يملكه، أشبه بأن تنظر إلى وجه شخص وتسأله «ودنك دى؟»، بديهى أن المتنازل حصل على حقوقه قبل أن يقدم على مثل هذه الخطوة متحملا -بخلاف التنازل- مشقة قضاء يوم فى مصلحة حكومية من عينة الشهر العقارى مع كامل احترامى لموظفيه الكادحين، ولكن إصرار الموظف على توجيه السؤال -هذا الإصرار الذى يبدو كأنه قاعدة وظيفية ملزمة- يعنى أن بيننا من يتنازل دون مقابل سواء يعى ذلك أو لا يعيه، بيننا من تتراوح ذهنيتهم ما بين الفكاكة المفرطة أو البلاهة الزائدة أو اللا مبالاة المشعرة، لذلك وجب على الموظف المصرى أن يلفت المواطن إلى حقه، وهو سؤال أتحدى إن كان هناك موظف شهر عقارى فى أى دولة أخرى يسأله للمواطن، أتحدى أصلا لو كان فيه شهر عقارى فى أى دولة أخرى غير مصر.
هذا السؤال يود الواحد أن يسأله لكل من يفرط فى التنازل «أخدت حقك؟»، أو على الأقل هل ضمنت أنك ستحصل على حقك قبل أن تخلع الأندروير بهذه السلاسة؟
لم تكن المشكلة يوما فى قيادات مصر، المشكلة طول الوقت فى من يقدمون تنازلات مجانية ويغضبون ممن يحاول أن يلعب دور موظف الشهر العقارى ليراجعهم قبل هذه الخطوة، ما بين التنازل للسيسى أو التنازل للإخوان تدور المعركة اليوم أمام مكتب التوثيق النموذجى للبلد، لم يتعلم أحد من درس المواطنين الشرفاء الذين هرسوا الثورة وهم يوثقون التنازل للمجلس العسكرى، فآلت الأمور إلى ما آلت إليه، ولم يتعلم أحد من ورطة توثيق التنازل بختم «موتوا بغيظكم» لجماعة تنقض العهود وتخون مواثيق التحالف، واليوم يتفانى كثيرون فى توثيق التنازل للسيسى بالرغم من كون كل ما أقدم عليه يحتاج إلى مراجعة بسيطة لتفهم أن «فتحة الصدر» لم تكن مدروسة كما ينبغى، الأمر الذى يضع فارقا بين الحس الوطنى الذى يمكن تقديره وبين الحس السياسى اللى له ناسه. اليوم يتبارى كثيرون لتوثيق تنازلاتهم من أجل المصالحة مع الإخوان، ناسين تماما كل ما سبق عقده من اتفاقات جفت مياه النيل من فرط بلها وشرب مائها، ومتجاهلين شروط المصالحة التى تجعل الأمر محض ابتزاز باحث عن دور جديد فى مشهد السلطة لا عن حق من تعرض للموت أو التعسف الأمنى.
تنازل مجانى يسيطر على المشهد حاليا، وهو أمر يليق بأصحاب حق الاختراع الذى يحول البحر إلى طحينة، ومراجعة المتنازل حول «أخدت حقك؟» تجعلك ما بين فلول أو خلايا نائمة أو عبد للبيادة أو انقلابى أو طابور خامس، مع أنها مجرد مراجعة منطقية تضمن لك حقك ولا تنحاز إلى أحد، بس إزاى لا تنحاز إلى أحد؟ لازم تنحاز لزفة السيسى أو ابتزاز الإخوان، ده أنا أسمع أن هناك مكانا مخصصا للواقفين على الحياد فى تلك الظروف العصيبة، معاك حق.. وأنا برضه أسمع أن مايكل جاكسون كان زارع رحم.
المصدر جريدة التحرير