مجموعة سعودي القانونية

عمرو حمزاوي

نعود إلى البدايات: فى مراحل غياب التنظيم الديمقراطى أو فى لحظات تراجعه وصعود موجات الاستبداد أو الفاشية أو العسكرة أو السلطوية تهيمن على نخب الحكم غريزة السيطرة على الدولة والمجتمع والنزوع لقمع المعارضين وتهميشهم والتعويل على تشويه وتزييف الوعى لصناعة التأييد والإبقاء عليه.

تترجم غريزة السيطرة على الدولة والمجتمع إلى أطر دستورية وقانونية تنتقص أو تلغى حقوق وحريات المواطن وتمكن نخب الحكم عبر الدولة ومؤسساتها وأجهزتها المعفاة سلفا من الرقابة والمساءلة والمحاسبة وعبر وسائط أخرى من تعقبه وقمعه حين تريد، ذلك باسم الدستور والقانون.

تترجم غريزة السيطرة إلى ممارسات تنفيذية وإجراءات إدارية تنزع عن المجتمع مساحات التعبير الحر والمتنوع عن الرأى والمشاركة غير المقيدة فى إدارة الشأن العام وتستبدلها بالتأسيس لمجتمع الكتل الجماهيرية الصماء ذات الرأى الأوحد دوما والمؤيدة لنخب الحكم دوما، ذلك باسم الاستقرار والتقدم أو باسم الأمن والأمان أو باسم عدم «جهوزية» الدولة والمجتمع للحرية وللديمقراطية وحتمية تأهيلهما تدريجيا (الحتمية الوهمية، هكذا أراها).

تترجم غريزة السيطرة إلى نظرة للدولة وللمجتمع تنفى المكون الإنسانى المتمثل فى المواطن الفرد وتحول المواطنات والمواطنين إلى أشباه الدمى الخشبية أحادية الشكل والغائب عنها المضمون. وأما النزوع لقمع المعارضين وتشويههم، فأخطر ما فيه، وبجانب أمور أخرى تناولتها بالتحليل طوال الأسابيع الماضية، يتمثل فى الزج بالدولة والمجتمع إلى دائرة شيطانية الفاعل بها نخب حكم غير ديمقراطية وحركات معارضة لا تختلف عنها كثيرا لجهة عدم الالتزام بالديمقراطية ومبادئها وقيمها وممارساتها.

تسجل العلوم السياسية هذه الحقيقة تحت مسمى «صناعة نخب الحكم غير الديمقراطية لمعارضات على شاكلتها»، ويدلل عليها مثلا التاريخ السياسى المصرى المعاصر منذ خمسينيات القرن الماضى بثنائية الحكم السلطوى وجماعة الإخوان السلطوية كمعارضته الرئيسية.

وأما غريزة تشويه وتزييف الوعى لصناعة التأييد والإبقاء عليه، وتلك غريزة تعانى منها أحيانا الديمقراطيات المستقرة وعادة ما ينقذها من براثنها حضور أطر دستورية وقانونية وسياسية راسخة تحمى الحقوق والحريات وتضمن مساحات الحرية المجتمعية ومواطنة المساواة والتنوع، فتداعياتها الكارثية تتمثل فى تمكين نخب الحكم من تمرير سياساتها وممارساتها دون سابق نقاش نقدى أو لاحق مساءلة ومحاسبة.

وتداعياتها الكارثية تجعل من المدافعين عن حقوق الإنسان مجموعة من «المطاريد»، ومن الأصوات المختلفة القليلة نفرًا من «المنبوذين» من الدولة والمجتمع الذين لا يصح إلا دفنهم وهم أحياء بالاغتيال المعنوى.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *