بقلم : إبراهيم عبدالعزيز سعودي
اعتقد انه لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي القديم والوسيط أن قامت جماعة او حركة فى مجتمع من المجتمعات الإسلامية – التي للمسلمين الغلبة العددية فيها –او الدول التي تدين بالإسلام كديانة رسمية لها ، ووصفت نفسها بوصف الإسلامية او أسبغت على من ينضمون إليها وينطوون تحت لواءها وصف المسلمون
وإذا كان التاريخ الإسلامي قد عرف أوصاف مثل الشيعة والسنة والخوارج (الشراة) والمعتزلة والصوفية … إلى غير ذلك من الأوصاف ، كما عرف الحركات التي تنسب إلى أسماء الأشخاص مثل الاشاعرة والإسماعيلية والوهابية ، حتى ان المذاهب الفقهية نفسها نسبت إلى أسماء أصحابها كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فلم نقرأ او نسمع فى هذا التاريخ أن حركة من هذه الحركات او جماعة من تلك الجماعات عرفت نفسها بأنها الإسلامية او سمت أفرادها وحدهم باسم المسلمين .
وهذه البدعة لم تظهر إلا فى العصر الحديث على يد جماعة الإخوان المسلمين ثم في الجماعات التي خرجت منها انشقاقا عنها تشددا أو تحللا ، وهى بدعة أظنها غير حسنة .
وبغير دخول فى نوايا من أطلق هذا الوصف او اختار هذا الاسم ، فربما أساء من حيث أراد أن يحسن ، واخطأ من حيث أراد أن يصيب – ذلك أن وصف جماعة ما بأنها جماعة المسلمين لا يصح أن يطلق إلا حيث يكون المسلمون هم الأقلية فيميزهم عن غيرهم وينفيهم عمَّن سواهم ، أما حين يطلق هذا الوصف او ذاك الشعار فى دولة إسلامية او للمسلمين الغلبة العددية فيها فإن ذلك يحمل مخاطر لا تعد ومساوئ لا تحصى .
ذلك أن إطلاق الوصف على البعض يحمل فى طياته ويرسخ فى أذهان العامة من الناس ، بل والخاصة ايضاً نفى الوصف عمَّن سواهم ، فإذا كان هؤلاء هم المسلمون فإن ذلك يرتب بالتبعية أن من لا ينضم إليهم او ينطوي تحت لواءهم من غير المسلمين ، ووصفنا تيار ما بأنه التيار الإسلامي ، يعطي دلالة ما بأن ما عداه من التيارات ليست إسلامية ، ثم تتوالى التداعيات التي يرتبها هذا المنهج ويؤدى إليها هذا الفكر ، فمن ينتقد هذه الجماعة او يبدى رأياً فى شأنها ، فهو ينتقد الإسلام ويسئ إلى المسلمين ، ومن يرفض الانضمام إليهم فهو يرفض الإسلام .
ويتوالى اللبس فى الفهم والخلط فى الفكر إلى أن يصبح هؤلاء وحدهم يحتكرون الإسلام ويتحدثون باسمه ، وتظهر خطورة ذلك على صعيد السياسة العالمية المعاصرة وفى هذا المناخ بالغ الحساسية ، فأفعال تلك الجماعات وتصرفاتها أصبحت محسوبة على الإسلام وكل جنوح منها او جموح لها يلطخ سمعة الإسلام ويسئ إلى المسلمين ، فيقدم لخصوم الإسلام واعدائه الذين يتربصون به ذريعة الخلاص منه والحمل عليه .
وتمتد خطورة هذه الشعارات والمسميات لتزلزل كيان المجتمعات والدول الإسلامية من الداخل. فهذه الأسماء وتلك الشعارات تخدع العامة والخاصة من الناس فيؤيدونها بظن انهم يؤيدون الدين ويناصرونها بوهم انهم يناصرون الاسلام ، ولعل ذلك السبب فى أن هذه التيارات تكون لها الغلبة فى كثير من الانتخابات ، فالذين يصوتون لهم فى حقيقة الأمر مخدوعون لانهم إنما قصدوا أن يصوتوا للدين وينحازوا للإسلام ، ويؤدى ذلك أن من يلعب مع هؤلاء وينضم إليهم يربح وان كانت به كل نقيصة ومن يخرج عنها يخسر وان جمعت له كل فضيلة .
ولا يقف الخطر عند هذا الحد ، فالانتهازيون والمنافقون سرعان ما يرون فى الانضمام إلى هذه الجماعات فرصة لتحقيق ما لهم من أهداف شخصية ومطامع خاصة فيسارعون فى النزول إلى ملعب السياسة باسم الدين وسرعان ما يتبدلون شكلاً ، دون جوهر ، وظاهراً دون باطن ، ومع ذلك فلا ترى تلك الجماعات التي تصف نفسها بالإسلامية غضاضة فى أن تضم مثل هؤلاء المتطلعين إليها طالما رأت لنفسها وجه استفادة من ذلك وحالما أيقنت انهم سيأتمرون بأمرها ولا يشقون لها عصا الطاعة ، فتغلب المصلحة السياسية على المصلحة الدينية او كما يقول البعض تدخل الأرزاق من حيث تخرج الاخلاق .
ولعل السبب في إصرار هذه الجماعات التي تهيمن على مجلس الشورى المصري الآن على تقنين استخدام الشعارات الدينية انتخابيا وحسر وصف التجريم عنها لتوظيف الدين انتخابيا إنما يكمن في أننا إذا ما جردناهم من هذه المسميات وتلك الشعارات وحرمناهم من تلك الأوصاف ، فسرعان ما سيظهر الحجم الحقيقي والمكان الطبيعي لهم بغير مزايدة على الدين او تجارة باسم المسلمين ، فهم إذا ما جُردوا من هذا الشعار عادوا افراداً عاديين من احسن منهم سينحاز إليه الناس ويختارونه ، ومن أساء سينصرف عنه الناس ويهملونه .
(انتبه الوعي هو الحل )
للتواصل مع الكاتب عبر حسابه على فيس بوك
https://www.facebook.com/ibseoudi
وعبر صفحته الشخصية على فيس بوك
https://www.facebook.com/ibrahem.seoudi?ref=hl
ولمتابعة مقالاته وآرائه
http://www.seoudi-law.com/?cat=4