طه حسين دعا إلى نهضة أدبية شاملة، وكتب بأسلوب متفرد لم يسبقه إليه أحد، وقد أثارت آراؤه الكثيرين، كما وجهت له العديد من الاتهامات.
ميدل ايست أونلاين – بقلم: مصطفى عبدالله – في ذكرى مرور أربعين عامًا على رحيله
اهتمام الهيئات الثقافية والأكاديمية في مصر باحياء ذكرى مرور أربعين عامًا على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بالغ التواضع، ويتسم بالفتور الشديد غير المبرر وغير المقبول بالنسبة لقيمة تنويرية كبيرة في حجم طه حسين؛ فالذكرى تحل بعد ساعات (طه حسين رحل يوم 28 أكتوبر عام 1973) ولا شئ يلوح في الأفق، باستثناء المبادرة التي أطلقتها مؤسسة ثقافية خيرية هي مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة التي أبرمت عقدًا مع ورثة طه حسين ممثلين في حفيدته مها عون لإتاحة مؤلفات عميد الأدب العربي رقميًا بالمجان على شبكة الإنترنت، ويضم العقد البنود التالية:
الطرف الأول: مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة، مشهرة بالقرار رقم 8862 إدارة شرق مدينة نصر، ومقرها 54 عمارات الفتح، حي السفارات، مدينة نصر، القاهرة، رقم بريدي 11471، ويمثلها في هذا التعاقد الدكتورة نجوى محمد صبري عبدالمطلب. الطرف الثاني: السيدة مها أبوالمعاطي جمال عون، الممثل القانوني لورثة الدكتور طه حسين.
(1) يمنح الطرف الثاني للمؤسسة الحق غير الحصري في إتاحة المصنفات الوارد تفصيلها في البند 4 بجميع الوسائل الرقمية (بما في ذلك شبكة المعلومات الدولية) وجميع الصور الرقمية المعروفة حاليًا أو مستقبلًا سواءٌ أكانت مقروءة أو مسموعة، وتكون هذه الإتاحة مجانية، ولا يحق للمؤسسة الحصول على مقابل مادي عن هذه المصنفات عن طريق البيع أو غيره.
(2) يعطي الطرف الثاني المؤسسة الحق غير الحصري المنصوص عليه في البند رقم 2 دون مقابل مادي، على أن تتحمل المؤسسة كافة التكاليف الخاصة بإعداد المصنفات في الصور الرقمية التي تختارها المؤسسة، على أن يكون هذا الإعداد على المستوى نفسه الذي تستخدمه المؤسسة في إعداد المصنفات الأخرى التي تتيحها.
(3) تشمل المصنفات محل التعاقد 46 عملًا مؤلفًا، وخمسة أعمال مترجمة ومقالات الدكتور طه حسين جميعها.
وقد اتفق الطرفان شفهيًّا على أن يلحق بهذه المصنفات كل ما تستوثق المؤسسة من صحة نسبته إلى طه حسين.
(4) تلتزم المؤسسة بأن تتيح المصنفات محل التعاقد في موعد أقصاه عام واحد فقط من تاريخ هذا التعاقد.
(5) مدة العقد هي المدة المقررة لحماية حق المؤلف طبقًا لأحكام القانون رقم 82 لسنة 2002.
(6) النطاق الجغرافي لإتاحة المصنفات هو جميع أنحاء العالم.
وسيتم تدشين هذا المشروع يوم 28 أكتوبر باصدار ستة كتب من مؤلفات طه حسين في صيغة رقمية، وأولها “جنة الشوك”، فضلًا عن مجموعة من مقالاته التي حملت عنوان “تدوينات طه حسين”، ويمكن الوصول إليها عبر الروابط التالية:
http://www.hindawi.org/sotour/59624258
http://www.hindawi.org/sotour/posts/51930463/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/59537958/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/79685831/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/83083507/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/83730924/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/57191836/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/26257579/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/72046971/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/69372064/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/63951427/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/61390473/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/62684648/
http://www.hindawi.org/sotour/posts/74624058/
ومن جهة أخرى تأتي أهمية الندوة الموسعة التي تتأهب “مؤسسة سلطان العويس الثقافية” بدبي لعقدها على امتداد يومي 3، 4 نوفمبر/تشرين الثاني وقد دعت إليها عددًا من الأكاديميين المصريين، منهم الدكتور جابر عصفور، الدكتور حسين حمودة، الدكتور مجدي توفيق، الدكتور مدحت الجيار، والدكتور شريف الجيار، للتأكيد على أن طه حسين دعا إلى نهضة أدبية شاملة، وكتب بأسلوب متفرد لم يسبقه إليه أحد، وقد أثارت آراؤه الكثيرين، كما وجهت له العديد من الاتهامات، ومع ذلك فهو لم يبال بهذه الثورة ولم يأبه بهذه المعارضات التي تعرض لها، بل استمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بطرح العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة المتناهية منتقدًا المحيطين به وطرقهم التقليدية مما أدى إلى ضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء والجامعة، هذا بالإضافة إلى أهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونوا على قدر كبير من التمكن، والثقافة التي تتيح لهم اتباع المنهج التجديدي في التدريس.وذكرت “مؤسسة سلطان العويس” أنها سعت إلى إحياء هذه المناسبة لأننا في وقت باتت فيه الحاجة ماسة لتأمل أفكاره التنويرية في ظل انتشار المفاهيم الظلامية الرجعية، وباتت العودة لأفكار المتنورين والاستلهام منها ضرورة للخروج من مآزق كثيرة وصلت إليها المنطقة.
وقد اختار الناقد الدكتور مجدي توفيق لورقته التي تناقش في هذه الندوة عنوانًا لاقتًا هو “الأخطاء الملهمة لطه حسين” وفيها يقدم قراءة جديدة لكتاب “الشعر الجاهلي” تراعي أننا قد أصبحنا في زمن مختلف عما كان عليه الفكر في عام 1926. وتقوم القراءة على رفض ما تسميه الورقة بالقراءة الحاجزة، ويقصد بها كل قراءة تقيم حاجزًا بيننا وبين النص الذي نقرأ.
وهذه الحواجز تبدأ باتخاذ موقف رافض يرتدي ثوب النقد العلمي، ثم سرعان ما يتحول الرفض إلى كراهية وتكفير، وهذا ما تريد الورقة أن تتجاوب به مع الظرف التاريخي الذي تمر به مصر اليوم وهي تتعرض لضربة إرهابية جديدة.
وفي مقابل هذه القراءة الحاجزة تتجه الورقة إلى قراءة استلهامية تفترض أننا نتعلم من النصوص الرائدة، ونتعلم من أخطائها الملهمة كما نتعلم من صوابها.
وتطبق الورقة أنموذج القراءة الاستلهامية على هذا الكتاب في ثلاث نقاط: الأولى تتعلق بمنهج طه حسين وصلته بديكارت، وتستلهم منه تعريفاً أخصب لماهية المنهج.
والثانية تتصل بمشكلة عدم تصوير الشعر الجاهلي للغة ولللهجات القديمة، وتستلهمها لتننهي إلى فرضٍ جديد يرى في الشعر مشروعًا ثقافيًا جاهليًا لتوحيد القبائل تحت راية لغة واحدة، ومن ثم فإن انتظام الشعر على الفصحى علامة صحته، لا هلامة الشك فيه، وهو مظهر العمل العظيم الذي قام به الشعر في خلق الفصحى، وهذا ما اكتمل بالقرآن الكريم.
والمشكلة الثالثة هي مشكلة تعدد روايات النص الشعري الواحد واختلافها، ونستلهم فيه النص لكي نفترض إمكان فهمها على أساسٍ من فكرة النص المفتوح المستفادة مما بعد الحداثة.
ويؤكد الدكتور مجدي توفيق أن كتاب طه حسين سيظل ملهمًا معطاءً إذا قرأناه بروح محبة، متعاطفة، ومخلصة له ولهموم لحظتنا التاريخية.
أما الدكتور حسين حمودة، الذي جاءت ورقته بعنوان “أمثولات طه حسين”، فيتناول كتابًا آخر من كتب العميد هو “جنة الحيوان”، الذي صدرت طبعته الأولى أوائل خمسينيات القرن الماضي، أي في فترة متأخرة نسبيًا من رحلة كتاباته، ويشير إلى أن طه حسين احتفى بتقديم “أمثولات” تسعى، فيما تسعى، لطرح رؤى وتصورات حول شخصيات وقضايا تنتمي إلى فترة محددة، وإلى سياق بعينه، وفي الوقت نفسه تطمح ـ هذه الأمثولات ـ إلى أن تكون عابرة للأزمنة وللسياقات.
لاحت النصوص السبعة عشر التي يضمها هذا الكتاب، والتي تستعير شكل “الأحاديث” (وهو شكل أثير لدى طه حسين، خصوصًا في رواياته وسردياته) منطوية على المعالم والقسمات المتعارفة لكل “أمثولة”؛ من حيث النزوع التجسيدي الذي يشخّص المعنى المجرد في هيئة ملموسة، ومن حيث الاهتمام بالمغزى الكامن المتواري خلف الصورة الظاهرية، الذي يبزغ أحيانا في موضع ختامي من النص، أو يتخلّق ـ لدى فارئه ـ خلال تأمل هذا النص، فيما بعد اكتماله، وأيضًا من حيث الصياغة التي تجعل الكتابة متعددة النبرات، حمّالة أوجه، صالحة لأن يتم تلقيها على أكثر من مستوى، في أكثر من زمن. وقد شيّد طه حسين أغلب أمثولاته، في هذا الكتاب، تأسيسًا على استدعاءات لافتة للحيوانات والطيور، التي تتداخل بعض صفاتها وملامحها وسلوكياتها مع شخصيات إنسانية، بما يسترجع “وحدة الكائنات” الأولى، لا بتكوينها البدائي الذي لم تكن فيه المسافات قد تكرّست بعد بين الإنسان والحيوان والنبات والحجر، بالتعبير القديم لإرنست فيشر، ولكن بنظرة أخرى تحمل ضمنيًا معنى المساءلة والإنكار؛ ترتاب في هذا التداخل، “القديم/الجديد” الذي ينسرب من زمن غابر إلى عالم قد امتدت فيه المسافات بين الكائنات، وتحددت الأدوار وتعددت، ومن ثم ترى هذه النظرة في انتفاء المسافة بين الإنسان والحيوان، الآن، أي في زمن كتابة “جنة الحيوان”، نوعًا من النكوص إلى حياة غابرة، وشكلًا من أشكال الارتداد إلى ما قبل الحياة الإنسانية الاجتماعية المتحضرة.
في هذا البحث يتقصى الدكتور حسين حمودة بناء كتاب “جنة الحيوان”، وحضور الأمثولة فيه، ومصادر هذه الأمثولة القديمة التي استحضرها طه حسين، والقيم والقضايا التي دافع عنها هنا كما دافع عنها من قبل في كتابات سابقة ـ العدالة، حق التعليم، التحضر..إلخ .
كما يتوقف البحث عند الجماليات التي صاغ خلالها طه حسين أمثولاته في هذا الكتاب، وينتهي إلى معنى “الجنة” الحقيقية التى حلم بها طه حسين.
mostafa4100500@hotmail.com