خرج مجلس الشورى من التاريخ، أو على الأقل مات وينتظر شهادة وفاته بعد التصويت النهائى للجنة الخمسين على إلغائه، المدهش فى القضية أن جلسة الإلغاء استغرقت خمس ساعات، وكانت شديدة العصبية وشهدت مشادات عنيفة بين غالبية الأعضاء، كما أن نتيجة التصويت (٢٣ / ١٩) تعكس الحجم الكبير الرافض لإلغاء المجلس، وبصراحة كان هناك اعتقاد سائد بأن إلغاء الشورى من الأمور المتفق عليها، خاصة أن من قادوا الإبقاء عليه كانوا فى مقدمة المعترضين على استمراره حينما أعلنت لجنة المائة الإخوانية ذلك، حتى أن لجنة العشرة القانونية قد ألغته فى مسودتها، باعتبار أن ذلك أمر مفروغ منه، على عكس كثير من المواد التى تركتها اللجنة معتقدة أنها بحاجة لمناقشات أخرى داخل اللجنة الخمسين، كما أننا جميعا نذكر أن النقاش العام فى مصر، حتى قبل ثورة يناير كان يتعامل مع المجلس باعتباره زائدة نيابية لا لزوم لها، بل وعلى العكس كان مستفزا للجميع ويعتبرونه صورة من صور إهدار المال العام.
التلميحات التى خرجت سريعة وعابرة، وواضح أنها نتاج الاستسهال والاستسلام للتآمر، أشارت إلى أن الفريق المؤيد لبقائه يرغب فى ترتيب مكان جيد له بعد انتهاء عمل لجنة الخمسين، والبعض أشار صراحة للسيد عمرو موسى بأنه «يخطط» لرئاسة هذا المجلس، وأن بعض الأعضاء الآخرين يعتبرونه مكافأة نهاية خدمة لا بأس بها، وهذا يكشف صراحة عن المرض والغرض اللذين نحياهما فى نقاشاتنا السياسية، سواء حينما تم مناقشة الأمر فى لجنة المائة (قبل عام تقريبا) أو عند مناقشته فى لجنة الخمسين قبل أربعة أيام، لأن الأكيد أن عمرو موسى أكبر بكثير من هذا التفكير المرضى، أو أنه يقود مؤامرة من أجل هدف رخيص كهذا، فربما يكون إلغاء الشورى، بما يعبر عنه من تاريخ سيئ منذ نشأته فى عصر السادات، والذى كان يستهدف السيطرة على الصحافة، أو حتى حاضره الأخير فى زمن الإخوان الذين منحوه سلطات التشريع فواجه القضاء والأزهر وغيرهما من مؤسسات تليدة وعتيدة فى مصر، أقول ربما يكون ذلك هو دافع المتحمسين لإلغاء الشورى.
لكن حقيقة الأمر، أن السؤال الذى كان مطروحا على أعضاء لجنة الخمسين للنقاش، كان مختلفا ولا يحمل بالضرورة الإبقاء على الشورى، فالسؤال كان حول بناء الكيان النيابى وعدد غرفه، وتحديدا غرفة أم اثنتين، ولم يقل أحد أبدا هل نبقى على الشورى أم نعدمه؟، وبالتالى يصبح السؤال وجيها ومقبولا، خاصة أن هناك ما يقرب من ٧٧ دولة من دول العالم تأخذ بنظام الغرفتين فى مقدمتها ديمقراطيات كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا، ومن الجائز أن تكون الغرفة مفيدة فى بلاد مثل بلادنا عادة لا تأتى الانتخابات بأفضل العناصر، خاصة إذا سمحنا ان تكون الغرفة الثانية بها مساحة لا بأس بها لتعيين الخبراء، لكن الغرض والمرض انحرفا بالسؤال عن هدفه، وآخذاه فى اتجاه: هل توافق على ترشيح السيد عمرو موسى لرئاسة مجلس الشورى؟ وهل تقبل أن يكون الدكتور السيد البدوى عضوا به؟