هل تعلمون أننا تآمرنا على المؤامرة لدرجة أن المؤامرة تآمرت علينا؟.. آه والله.. نحن ببساطة لا نحسب النتائج غير المتوقعة لأفعالنا وقراراتنا؛ فننتهى إلى نتائج لا يملك الطرف الآخر إلا أن يفسرها على أنها مؤامرة. وأحيانا تكون المؤامرة حقيقة لأنها لا تعبر عن سوء تقدير وإنما مصالح خفية يقوم طرف باستدراج الآخرين لها. ولأن الثقة شبه انعدمت، فمع نقص المعلومات وغلبة التشكك أصبح من المستحيل التفرقة بين الغشومية والغلاسة والغباء والغطرسة، وكثيرا ما يجتمع كل هذا.
جزء صغير من السياسة حقائق والجزء الأكبر انطباعات نخلقها أو نختلقها عند الآخرين. الكثير من المناضلين ليسوا مناضلين حقيقة، ولكنهم تركوا هذا الانطباع ورسخ فى أذهان بعضنا، فأصبح جزءا من عقيدته.
تعالوا نميز خمسة فاعلين سياسيين فى المشهد السياسى المصرى، كلهم أصبحوا جزءا من حديث المؤامرة.. وسأبدأ من لافتة كانت مرفوعة فى ميدان التحرير فى ذكرى محمد محمود مكتوب عليها: «بأمر الثوار ممنوع دخول الفلول والعسكر والإخوان» ونضيف لهم كذلك جبهة الإنقاذ. إذن عندنا ثوار، وفلول، وعسكر، وإخوان، وإنقاذ. وهذا يعنى ما يلى:
أولا، لم يزل هناك ثوار يرون أن أهدافهم لم تتحقق وأنهم عازمون على تحقيقها.. وهؤلاء الثوار يرون أن نظام مبارك، ثم الفترة الانتقالية الأولى تحت إدارة المشير طنطاوى وشركاه فى إدارة البلاد، ثم الفترة الانتقالية الثانية تحت إدارة الدكتور مرسى وشركاه، ثم الفترة الانتقالية الثالثة تحت إدارة الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور وشركاه، لم تضع مصر بعد على الطريق الذى يحقق مطالبهم. ويضاف إلى ذلك أن هؤلاء الثوار لم يجدوا ولم يخترعوا حتى الآن قناة مؤسسية سواء حزبية أو برلمانية أو تنفيذية تستوعبهم، وبالتالى هم يجدون فى الميدان، دون الديوان والبرلمان، ملاذا آمنا لهم.
ثانيا، هناك فلول من وجهة نظر الثوار نجحوا فى أن يستخدموا أساليب ثورة 25 يناير من أجل تدمير ثورة 25 يناير فى 30 يونيو. وأهم هذه الأساليب هو الحشد المكثف فى الشوارع وصولا لإجبار الجيش على التدخل من أجل الحجر على الدكتور مرسى وبتر جماعة الإخوان.
ثالثا، هناك عسكر من وجهة نظر الثوار أجادوا التلاعب بالمشهد السياسى. فمن وجهة نظر الثوار: المجلس العسكرى تزوج الثوار للتخلص من مبارك الأب والابن، ثم تزوج الإخوان للتخلص من الثوار، ثم تزوج الفلول وقطاعا من الثوار للتخلص من الإخوان. ولو حاول شخص أن يوضح أن الكثير من هذه الأمور لم تكن بالتخطيط وإنما كان بسوء إدارة مبارك والثوار والإخوان لشئون البلاد، ستجد الثوار يصفونه بأنه من عبيد البيادة.
رابعا، هناك إخوان يظنون أن المعضلة الأكبر كانت أن الجيش والفلول وجبهة الإنقاذ تآمرت عليهم فى 30 يونيو وقبلها ولا يدركون أن قيادات، وأكرر قيادات، الإخوان تآمروا هم أيضاً بالعديد من الوعود التى لم يلتزموا بها سواء بعدم ترشيح رئيس، أو ترشيح فقط ثلث أعضاء البرلمان، أو الفريق الرئاسى المتكامل مع نائبين قبطى وامرأة وغيرها من تطمينات تأكدنا أنها كانت فى السكالانس.. ضحك على الذقون يعنى.
خامسا، يرى بعض من أعضاء جبهة الإنقاذ أن هناك مؤامرة عليهم هم كذلك.. من الإخوان ومن الدولة العميقة والعقيمة والقمعية التى ترفض التعاون معها من أجل تحقيق مصالح الوطن.
إذن لقد تآمرنا على المؤامرة لغاية ما المؤامرة تآمرت علينا.
والعنف الدائر فى شوارعنا يعبر عن مجتمع يبحث عن قيادة تحظى بثقة الأغلبية الكاسحة من المصريين وشعب يقف وراء قيادته من أجل وقف نزيف الدماء.
طيب والحل: أملى وربما يكون هذا هو الأمل الوحيد.. أننا مع اكتمال مؤسسات الدولة: دستور، برلمان، رئيس، تكون الأجواء ملائمة لإجراءات بناء الثقة فيما بيننا. وكل أملى ألا يفعل الحكام الجدد ما فعله الحكام السابقون فى شعبنا العظيم الذى أصبح ظالما لنفسه من كثرة الظلم الذى وقع عليه.
من يقرأ تاريخ دول العالم الأخرى، يجد تشابها بين ما نحن فيه وما كانوا عليه. القضية ليست فى عظم التحديات، القضية فى ضعف القدرات.