فى حياتنا عدد كبير من الببغاوات، إذا كان هذا طبيعيًّا وواردًا بين عوامّ الناس ودهماء الوطن أن يسمعوا شيئًا فيرددوا مصدقين مكررين مثل الببغاوات، وإذا كان تعبيرًا عن مجتمع فقد عقليته النقدية القادرة على الفرز والتفنيد، فإن المؤسف أن الوسط السياسى والجيل الشابّ الذى كان مأمولًا فى ذكاوته يسقط فى فخ البغبغة بسرعة مذهلة ومزرية، لا أحد يشغّل عقله قبل أن يسمع، والكل مشغول بإصدار الأحكام السهلة، ولا أحد يبذل جهدًا فى تفنيد جملة تتكرر أو معلومة تدور وتلف على الأسماع أو فى «تويتر» أو فى جورنال أو برنامج.
بعد ثورة يناير استردّ الشعب المصرى كثيرًا من حريته، لكنه لم يستردّ عقله كاملًا، فقدْ لوَّثَتْه سنوات التعليم الفاشل والفقر والفساد والاستبداد والتجارة بالدين، حتى تَسلَّم الثورةَ عقلٌ مصرىٌّ لم يتحرر كما تحررت روحه وكرامته.
لن ينصلح حال هذا البلد إلا بالتخلص من العنعنة، فهى مصيبة ونزلت على دماغنا، خصوصًا بعد انفجار وسائل الاتصال الانتشارى الانشطارى، والاستخدام المتخلف لتكنولوجيا الاتصالات من إنترنت ومحمول وفضائيات، ثم زاد الأمر استفحالًا واستحمارًا بعد خمسة وعشرين يناير.
ماذا حدث تحديدًا؟
أبدًا.. الناس صارت تنقل كلامًا عن ناس آخرين، ينقله الآخرون إلى ناس آخرين، فينتهى فى الآخر إلى أن يصبح كلامًا لا علاقة له بكلام الأولين الذى نقله الآخرون!
ما رأيك فى هذا اللغز اللُّغوى؟
الناس لا تنقل بأمانة وبدقة، ربما عن جهلٍ أو عمدٍ أو بسبب قصور ذهنى أو قصور فى الشريان التاجى، وتنقل بعواطفها وبما فهمَتْه من الكلام، وتختصر وتبتسر ولا تفنِّد ولا تنقد، ثم تُصدِر أحكامًا بناءً على حصيلة الهرتلة التى تصل إليها!