مجموعة سعودي القانونية

نوارة نجم

فى ظل إن الجميع «على صرخة واحدة»، يجب على من تبقى له ذرة من ضمير أن يُخلِى مسؤوليته أمام نفسه وأمام الله، فأنت تملك لسانك، لكنك لا تملك آذان الآخرين التى صُمَّت إلا عمَّا فى أذهانهم، شأنهم فى ذلك شأن الرجل الذى تعطلت به سيارته على الطريق الصحراوى فى الساعة الثالثة صباحا، فنظر حوله ليجد بيتًا من بعيد، فتوجه إلى البيت وهو يخاطب نفسه فى خياله: دلوقت حاروح وأخبط على الباب، حيفتح لى راجل بالبيجامة والنوم فى عينيه، حيقولى: عايز إيه؟ حاقول له: مساء الخير.. حيقولى: قول صباح الخير، نعم؟ حاقول له: معلش أصل عربيتى عطلت.. حيقولى: شايف ده محل ميكانيكى ولّا بيت يا محترم؟ حاقول: أنا آسف. حيقولى: آسف؟ بعد ما صحّيت الناس وقلقت منامهم؟ مافيش أى إحساس بالمسؤولية؟ مافيش ذوق؟ مافيش أدب؟ فى أثناء تخيله هذا الحوار كان يقف أمام باب المنزل ويدقّ الجرس ففتح له رجل بملابس النوم ويبدو عليه النعاس وقال له: عايز إيه؟ فأجابه الرجل: مش عايز من وش أُمَّك حاجة.

وبصرف النظر عن «مش عايز من وش أمك حاجة»، فأقول: لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين.

الحقيقة1: أن المحاكمات العسكرية غير جائزة للمدنيين تحت أى بند وأى مسمى.

الحقيقة2: أن القول بأن من يخاف من المحاكمات العسكرية هم المجرمون والإرهابيون فقط، هو محض هراء، فمن لا يرغب فى محاكمات عسكرية للمدنيين، هو شخص يريد أن يعيش فى دولة مدنية متحضرة.

الحقيقة3: أن من صوّت بنعم على مشروع المحاكمات العسكرية، لم يكن يصوت بنعم على فكرة المحاكمات العسكرية، وإنما ما حدث هو الآتى: دستور الإخوان لعام 2012 كان يفتح باب المحاكمات العسكرية على مصراعيه، ويبدو أن القوات المسلحة كانت لا ترغب فى التنازل عن هذه المادة، حتى توصلت لجنة الخمسين إلى اقتراحين، أحدهما هو إعادة المادة إلى ما كانت عليه فى دستور 71، ألا وهو إحالتها على «وفقًا لما يحدده القانون»، والاقتراح الثانى هو أن يتم تحديد اختصاصات المحاكم العسكرية، وكان على الأعضاء أن يختاروا ما بين خيارين أحلاهما مر، وإلا ستعود المادة إلى دستور 2012، وهى الأسوأ على الإطلاق، فمَن صوّت بنعم كان يختار أخفّ الضررين، ومن صوت بلا كان يختار العودة إلى دستور 71، ومن امتنع عن التصويت كان يرفض الخيارين، لأنه يرفض المحاكمات العسكرية.

الحقيقة4: أن أعضاء جماعة الإخوان الذين نصّ دستورهم على فتح المحاكمات العسكرية دون قيد أو شرط للمدنيين، يتمتعون بقدر غير مسبوق من التبجح و«العين الباجسة»، وأن من صوّت بنعم على دستور الإخوان، ويعلن رفضه الآن للمحاكمات العسكرية، إما متبجح مثلهم، وإما لم يقرأ ما صوّت هو عليه بنعم، وبالطبع كان يظن أنه يصوت بنعم على شرع الله.

الحقيقة5: أن أمامنا الآن فرصة كبيرة لإلغاء مادة المحاكمات العسكرية تمامًا لو أن القوى الوطنية والمدنية والثورية اجتمعت على قول واحد وقالت «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، ماذا وإلا سنحشد للتصويت بلا على الدستور أيا كانت التبعات، ذلك لأن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، ترغب بشدة فى تمرير الدستور والتصويت عليه بنعم بنسبة كبيرة، لأن هذه هى الوسيلة الوحيدة التى تثبت، للعالم الغربى، عبر الصناديق، أن ما حدث فى 30 يونيو هو ثورة شعبية لا انقلاب عسكرى، ولأن القوى الإسلامية جمعاء، بما فيها التيار السلفى، سيصوتون بلا، أيًّا كانت المواد بالدستور، لأنهم يريدون أن يُثبِتوا، للعالم الغربى برضه، أن ما حدث هو انقلاب عسكرى، بدليل رفض الشعب للدستور، وليس هناك رمانة ميزان سوى القوى المدنية والثورية التى يمكنها أن تستبدل بالصراخ والتشتت والتشرذم وتبادل الاتهامات، الاتفاق على أن إلغاء المحاكمات العسكرية هو الفيصل فى ما إذا كانت هذه القوى ستصوت بنعم أم لا على الدستور.

الحقيقة6: فُكُّكُوا بقى من موضوع مكافحة الإرهاب بالمحاكمات العسكرية والطوارئ وكل الأساليب القمعية لأن مبارك استخدمها ولم تؤدِّ إلى إلى وصول الإسلام السياسى إلى الحكم.

المحاكمات العسكرية للمدنيين ليست فى صالح أى مواطن أيًّا كان، حتى من يسيرون داخل الحائط، لا بجواره فقط، ويمكن للوطن أن يحقق مكسبًا تاريخيًّا بإلغاء هذه المادة تمامًا، فقط بتوحيد الكلمة، ثم الحشد بنعم على الدستور الذى يخلو من محاكمات عسكرية للمدنيين، والتخلص من «نزناز» ثنائية: فاشية عسكرية أم فاشية دينية؟

آدينى خلّصت ضميرى، عايزين تتنصحوا اتنصحوا مش عايزين عنكو ما اتنصحتو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *