مجموعة سعودي القانونية

عمرو-خفاجى

 

من الأمور التى يصعب فهمها أو تمريرها، أو حتى تبريرها، الإصرار على احتكار الثورة من جانب بعض القوى السياسية، والتحدث بلسانها طوال الوقت، وكأنهم الثورة ولا أحد غيرهم، ويقدمون أنفسهم دوما على أنهم كذلك، حتى البعض منهم، والذى كان فى مقدمة المشهد الاعلامى لثورة يناير، يفعلون ذلك بالرغم من أنهم يدركون جيدا ماذا حدث وكيف حدث، وهو لا يفرق فى الكثير عن الذين يعتقدون أن إلقاء الحجارة على مهاجمى ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، أو صد هجماتهم، أنهم الثورة أو من المشاركين فى صنعها، فكل ذلك قفز على الحقيقة وانتهاك صريح لها، بل هو تطاول على التاريخ، لأن صاحب ثورة يناير ومن قام بها وأشعلها هو الشعب المصرى فى كافة ميادين التحرير، فى أربعة أنحاء البلاد، وعندما تحرك الجيش وقرر حماية الثورة، بالتأكيد لم يفعل ذلك إلا من أجل شعب، لا من أجل تيار أو حزب أو فريق، وعندما تتحدث القوى السياسية الآن عن الثورة وتستبعد الشعب من المعادلة أو لا تلتفت لمطالبه، فهذه القوى ليست بعيدة فقط عن الثورة، لكنها تكون قد خرجت من تاريخها بالفعل.

فى المقابل، وهذا هو المدهش حقا، يعتقد البعض أن الشعب صامت، وأنه مغلوب على أمره، بل هو رهينة عند القوى السياسية، وهو اعتقاد أقل ما يوصف بأنه اعتقاد سخيف، خاصة وأن أصحاب هذه الرؤية يستبعدون الشعب تماما من معادلة ثورة يناير، ومن الواضح أنهم يرغبون فى الإساءة للثورة وقطع الطريق عليها، ونسبها لبعض القوى السياسية، وهذا أيضا باطل وغير مفهوم ولا يمكن تمريره أو تبريره، لأن ما حدث فى يناير ٢٠١١، لم يكن أبدا مجرد صراع سياسى بين قوى متناحرة، أو أن بعض مؤسسات الدولة استسلم لبعضها الآخر، فهذا محض كلام فارغ وسيئ وردىء، لان ما حدث فى يناير ثورة شعبية حقة، لشعب كان قد فاض به الكيل من الظلم والفساد والاستبداد فثار على كل ذلك طالبا التغيير وتحقيق رغباته فى العيش بحرية وكرامة، ثم طالب بتصيح الوضع فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بحثا عن حريته التى بات يشعر أن هناك تضييقات عليها، وأن الاستبداد بات يطل من جديد، وربما استبداد أشرس مما ثار عليه فى يناير ٢٠١١، هنا أيضا لا يجوز نسب ما حدث لأى قوى سياسية، بما فى ذلك أصحاب دعوة التظاهر فى ٣٠ يونيو، لأن الشعب هو الذى قاد التغيير وأمر به، وأيضا حمى الجيش ثورة شعبه، لانه لو كان فعل ذلك لحساب أى قوى سياسية أخرى لكنا الآن أمام أزمة عظيمة.

إن استبعاد الشعب من المشهد الثورى الكلى (من يناير وحتى الآن) جريمة كبرى، ومحاولة أخرى، لاستعباده من جديد، ونضيف إلى ذلك، وهذا المؤلم، إهانة هذا الشعب من فريق ثالث، والذى يصر على سبه وذمه، مثل وصفه بـ«لاحس البيادة»، وإذا لم تصحح هذه الأطراف الثلاثة مواقفها (الذين يحتكرونها، والذين ينفونها، والذين يهينون شعبها)، وتعود لتضبط موجاتها على موجة الرأى العام، هذا يعنى ببساطة شديدة أن الرأى العام سيكفر بهم جميعا (إن لم يكن قد بدأ فى ذلك فعلا)، ويبحث من جديد عمن يستطيع تحقيق مطالبه، فتحقيق المطالب فقط، هو الأمر الذى سيستمر من بين ركام المشهد الحالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *