مجموعة سعودي القانونية

عمرو-خفاجى

بالرغم من حالة الفوضى التى تمر بها البلاد، خاصة الجهاز الإدارى للدولة، فأن بعض الجهات مازالت تقوم بأداء مهامها بجدية واهتمام، ومن بين هذه الجهات، الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى يصدر بياناته وتقاريره بانتظام شديد، ومؤخرا، وقبل أربعة أيام أصدر الجهاز التقرير الخاص بالفقر المرتبط بالدخل والاستهلاك، أو ما نسميه فاتورة إنفاق الأسرة المصرية، وهو التقرير الذى يعلن بوضوح بأن الفقراء فى مصر يزيدون، وأن نسبتهم تجاوزت ربع عدد السكان ووصلت إلى 26.3٪ و هو إحصاء خاص بعام ٢٠١٢/٢٠١٣، وهو بالتأكيد يعنى أن كل ما حدث بعد الثورة لم ينجح فى تحسين أحوال الفقراء، ربما الرقم الإيجابى الوحيد هو انخفاض نسبة الفقر المدقع فى البلاد إلى 4.4٪ بدلا من 4.8٪ فى الإحصاء الذى سبقه، وهو ما برره اللواء أبوبكر الجندى، بالإجراءات التى اتخذت بعد الثورة مباشرة واستهدفت ريف الصعيد، وهو ما يعنى أيضا، أن التدخلات الحكومية السليمة قادرة على مكافحة الفقر.

التقرير يكشف بوضوح أحوال مصر الاقتصادية، حيث يشير إلى أن محافظة أسيوط مازالت المحافظة الأكثرا فقرا فى مصر حيث يعانى ٦٠٪ من أُسرها من الفقر، وهى نسبة مرتفعة للغاية، صحيح أن هذه النسبة كانت تقترب من السبعين بالمائة فى الإحصاء السابق، إلا أن النسبة مازالت تعكس خللا جوهريا فى تعامل الحكومات المتعاقبة مع قضية الفقر، وحتى نكمل الصورة فإن هذه النسبة تحتسب وفقا لمعدلات خط الفقر القومى المقدر حاليا بـ٢٥٦٢ جنيها سنويا بالنسبة لحضر الوجه القبلى، وبـ٢٤٩٣ بالنسبة لريف الوجه القبلى، أى أننا نتحدث عن متوسط دخل شهرى يتجاوز المائتى جنيه بجنيهات قليلة، وهو أمر كارثى بكل الأحوال.

أما الكارثة المخيفة حقا، والتى يجب أن تتدخل الدولة فورا لمواجهتها، هى نسبة زيادة السكان، والتى يقدرها الجهاز حاليا بـ 2.4٪ سنويا وهى نسبة فى غاية الخطورة، إذا ما قارناها بالنسب العالمية، حيث يبلغ معدل النمو السكانى فى الدول المتقدمة 0.8٪ و1.5 ٪ فى الدول النامية، والمحزن أن هذه النسبة كانت قد انخفضت قبل سنوات إلى أقل من اثنين بالمائة، وبالطبع تكون الزيادة فى المناطق الفقيرة، وهو ما سيجعلهم أكثر فقرا مما هم فيه، وحتى نفهم خطورة الكارثة، فإن معدل النمو الاقتصادى المطلوب لهذه الزيادة السكانية يصل إلى عشرة بالمائة، ولعدة سنوات، وهو ما يبدو مستحيلا فى الوقت الراهن الذى لا تزيد فيه معدلات النمو على اثنتين بالمائة، ولا يكون هناك حل معقول وفى متناول الأيدى سوى السيطرة على الزيادة السكانية.

أخطر ما فى هذه الكارثة، أنها كارثة مستترة، غير مطروحة على مائدة النقاش العام، ولا ينشغل بها أحد، وسط نقاشات حادة وساخنة حول النظام السياسى، والانفلات الأمنى، وحرب الإرهاب، وعدالة انتقالية، وحتى فى اللحظات النادرة التى يخوض فيها المجتمع حوارا حول العدالة الاجتماعية لا يلتفت أحد للزيادة السكانية، ولا لمعدلات نموها، والتى تلتهم بسهولة أى جهود للتنمية، فالنسبة مخيفة حقا وفاجعة، لكن لا أحد يريد أن يسمع وسط هذه الزحامات الكاذبة التى تدعى أنها تتزاحم على السلطة من أجل خير ومستقبل البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *