لم يصل أى فصيل أو تيار أو قوى أو ثورة أو رئيس أو سلطة أو حتى شعب إلى ما يريده.
والنجاح الناقص فشل لو تعلمون عظيم.
لم تنجح الثورة، لا الأولى، ولا الثانية.. حدثت فعلاً لكنها لم تنجح، ولم يتحقق من أهدافها سوى «إبعاد» الرأس وترك «الديول».
لم ننجح فى أن نحول التاريخ إلى مستقبل، فاستغرقنا فى الرغبة فى الانتقام من الماضى على حساب مستقبل أولادنا.
لم تنجح أى تحالفات من أى نوع.
ماتت فكرة الأحزاب من جذورها حين استبدلنا الحزب الوطنى بـ«الحرية والعدالة»، فوصلت الأمور إلى أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن يكون فيها حزب أغلبية على ما يبدو، أو ستتكرر الخناقة حين يجد الجميع أنهم لم ينجحوا فى الحشد، بينما سيتكفل حزب ذو مرجعية إسلامية بالحشد بخطاب جديد ليعيد إنتاج التجربة، ربما بعد أن يستفيد من أخطاء سابقيه.
ماتت فكرة الرمز، ولم ينجح أحد فى أن ينجو بنفسه من اتهامات التخوين والعمالة وهجوم السفهاء أو أصحاب المبادئ، والتعليم عليه مِن كل مَن هب ودب، وربما حرق الرمز نفسه بنفسه ليسقط السقوط الكبير.
لن يحكمنا الإخوان ثانية مهما فعلوا، لا فى جيلنا ولا فى جيل أبنائنا أو أحفادهم، وربما حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فقد كانوا على قيادة سفينة، أرادوا الاستعانة فيها بمن يعاونهم، فحدث خرق شديد، وكلما قال لهم أحد يجب أن نسد الخرق حتى ننقذ السفينة، قالوا له إنهم يجيدون القيادة، وإنهم سينتقمون ممن أحدث الخرق، فكانت النتيجة أن قفز من يستطيع أن يقفز من السفينة، بينما غرق بها الإخوان، ولا يزالون مصرين على أن من أغرقوهم هم من تركوهم ومن أحدث الخرق، وليس غباءهم لعدم التعامل مع هذا الخرق.. مساكين والله.
لم ينجح أحد فى إكساب الثورة أى رصيد.. الناس الآن يكرهون الثورة، ويكرهون وجوهها المحسوبة عليها، وعلى استعداد للفتك بأى أحد يدعو لثورة جديدة، أو يذكرهم بالقديمة، والمصيبة أن أحداً لا يعترف بذلك أو يعالجه، بل يتمادى فى تحدى الجميع دون أن يصحح أخطاءه ويعود لمسار الناس.
لم تنجح النخبة، ولا تزال النخبة نائمة، لعن الله من أيقظها، فدعوها نائمة، فاشلة، عاجزة، مكابرة، مدعية، وفى كثير من الأحيان خائنة.
لم ينجح أحد فى توطيد ملكه أبداً، ولا إزالة الطرف الآخر ومحوه، وفى نفس الوقت، لم يتعلم حتى الآن أن يتعايش معه، بل كلهم مصرون على إكمال الخناقة لنهايتها، أو نهايتهم.
لم ننجح فى إقامة حوار محترم بين بعضنا البعض، فكل الحوارات الآن على كل المسارات، بين كل الناس، تنتهى بتصنيف أو تخوين أو شتيمة وسفالة وقلة أدب، ومن لا يقول ما أريده يصبح هدفاً لكل عقدى النفسية ومراهقتى الفكرية وبذاءة لسانى.
لم ننجح جميعاً فى بناء وطن نحلم به؛ فالكل يتكلم، والكل يعمل بمبدأ «لا أريكم إلا ما أرى»، والكل على حق فيما الكل على باطل، وجميعنا نعيش بالقصور الذاتى وببركة ربنا، وليس بعملنا من أجل هذا البلد.
ستقول لى إننى متشائم..
والله أبداً.. لا يتشاءم من يعرف أن ربنا موجود، ومن يفوض أمره إلى الله، ومن يقرأ ويقلب فى كتب التاريخ، لكن هذه دعوة لأن نفيق جميعاً، ونضع أيدينا على أخطائنا، ونعترف أن أنجح ما فعلناه إلى الآن هو الفشل، وأن ما جمعنا حتى الآن هو تمزيق الوطن، وأن الأمل فى أن يتحد الجميع مرة أخرى هو أن تأتى مصيبة سودا أو حرب عالمية نرى فيها أن هناك خطرا أعظم يتهددنا فننسى، ولو قليلاً، الهاوية التى نصر على السقوط فيها.
عندى ثقة فى الله، عز وجل، أن كل شىء سيمر، لكن من قال إنه سيمر ونحن على نفس الحال؟ ومن قال إنه حين يمر سيكون المستقبل أفضل ما لم نعمل على ذلك حتى الآن؟
هذا البلد لن يسقط أبداً، حتى ونحن فاشلون عن إنقاذه، حتى إن لم ينجح أحد.
لكن يجب أن نعترف أولاً أن وطننا لا يستحق منا كل ما نفعله.