مجموعة سعودي القانونية

ضياء-رشوان

 

بإطلاق قناة رابعة الفضائية التابعة للإخوان المسلمين من تركيا، صباح أمس الجمعة، تكون الجماعة ومن تبقى من حلفائها القليلين فى العالم قد دخلت بالفعل إلى مرحلة غير مسبوقة فى تاريخها فى مصر أو العالم.

فافتتاح القناة أتى بكلمة للدكتور يوسف القرضاوى، الذى هجر مصر إلى قطر منذ عشرات السنين، وارتضى أن يحصل على جنسيتها ويكون جزءاً من نظامها بتوازناته الداخلية وعلاقاته الخارجية، هى إشارة واضحة لا تخطئها العين إلى ما تتوجه إليه الجماعة فى مستقبلها القريب والبعيد. فالشيخ القرضاوى استبق إطلاق القناة باستكمال قطيعته التامة مع بلده الأصلى مصر ومع مؤسسة الإسلام السنى الأكبر فى العالم وعبر التاريخ، أى الأزهر، بالاستقالة أو الإقالة من هيئة كبار العلماء به، لتكتمل هجرته التامة لمصر وانحيازه الأخير لبلده الجديد المستمر قطر، بكل ما تعنيه الكلمة. ومع الشيخ المغادر نهائياً لمصر يبدو أن الجماعة، أو بالأصح قياداتها وبعض من قيادات الجماعات الصغيرة المتحالفة معها، قد قررت نهائياً وللمرة الأولى منذ عام 1928، حيث أسست أن تلتحق رسمياً وعلنياً بما التحق به شيخها الروحى القرضاوى وأن تكون قاعدة وجودها الجديد هى قطر وتركيا وليس الإسماعيلية والشرقية وبقية ربوع الدلتا والقاهرة، حيث أسسها للمرة الأولى الأستاذ المرحوم حسن البنا.

واختيار تركيا أردوجان لكى تكون هى مقر القناة الجديدة للإخوان، وعلى الأرجح بدعم مالى قطرى، يعنى بصورة مباشرة أن الجماعة وقياداتها قد استقروا على أن يتحولوا من رقم كان رئيسياً فى اللعبة السياسية المصرية لأعوام جاوزت السبعين إلى رقم صغير وهامشى فى لعبة الأمم الخارجية. فالجماعة التى كان الباحثون والمراقبون للشؤون المصرية طوال عهد مبارك وبعد ثورة يناير يصفونها بالبديل الأبرز للنظام السياسى الحاكم فى مصر، تحولت إلى مجرد ملحق وأداة فى يد نظم سياسية أخرى، أو على الأدق، نظامين فى تركيا وقطر، يتم استخدامها فى صراع المصالح والرؤى مع النظام السياسى القائم فى بلدها الأصلى مصر. ولعل الجماعة أو قياداتها قد غابت عنهم دروس التاريخ البعيد والقريب فى مصير من يلعب هذا الدور بين الأمم، وآخرها بعض جماعات المعارضة العراقية قبل عشرة أعوام، واليوم السورية، عندما تلاعبت بها الدول الكبرى فى صراعات المصالح الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وما انتهت إليه سواء بصراعاتها الدموية أو بتحولها إلى رقم هامشى فى معادلات بلادها السياسية الداخلية.

وهذا المصير الأخير هو الأكثر ترجيحاً لجماعة الإخوان بعد تحولها لرقم ولاعب صغير يتم استخدامه فى لعبة الأمم، فى ظل فشل هذه الأخيرة فى تحويل مصر إلى ساحة صراع مسلح مثل العراق قديماً، وسوريا اليوم. الجماعة سواء بما تبقى لها من تحركات اعتراضية وتخريبية داخل مصر أو بتحولها إلى ذيل صغير أو كبير لسياسات قطر وتركيا تجاه مصر، حكمت على نفسها وللأبد بأن تتحول لجماعة هامشية احتجاجية خارج النظام السياسى المصرى الذى ظلت بداخله طوال الأعوام السبعين من نشاطها السياسى والعام. فلم تكن الجماعة فى أى لحظة من هذا التاريخ خارج أى نظام سياسى فى مصر منذ العهد الملكى حتى حكم مرسى، فالمعارضة القابلة لقواعد لعبة الحكم، حتى لو كانت حادة المعارضة للنظام القائم، تعد دوماً جزءاً من النظام السياسى حتى لو سعت بكل قوتها لتولى حكمه. وكان هذا هو حال الجماعة فى سعيها طوال هذه السنوات للوصول إلى حكم مصر، وبغض النظر عما واجهته من ملاحقات أمنية وسياسية، فقد ظلت دوماً بداخل النظام قابلة له وليست ساعية لقلبه أو الخروج على قواعده، بدءاً من المشاركة فى البرلمان حتى التعرض للسجن والمحاكمة.

أما اليوم، وبعد هذه الخطوات الجديدة من الإخوان، فقد تحولوا فى الداخل لجماعة خارج النظام السياسى، كل سعيها هو عرقلته وتخريبه وليس تغييره بعد أن فقدت كل قاعدة شعبية كان يمكن أن تؤهلها لذلك، وتحولوا فى الخارج لتابعين لدولتين تسعيان لتحقيق مصالحهما فى مصر، والتى إذا تحققت بوسائل أخرى فسوف ينتهى دور الجماعة بالنسبة لهما، وعندها لن يكون مصير قياداتها وأعضائها إلا أحد أمرين: إما الخروج منهما والبحث فى العالم عن دور جديد كذيل لدول أخرى، أو أن تضمهما سجون الحليفتين الحاليتين قطر وتركيا.

إنها عبر التاريخ ودروسه لمن يقحم نفسه فى لعبة الأمم.

المصدرجريدة/ المصري اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *