لعلك لاحظت كيف انتفضت وسائل إعلامنا حزنا وكمدا على ارتفاع مصاريف رئاسة الجمهورية خلال عهد سيئ الذكر محمد مرسى، وقد حق لها أن تنتفض حزنا على ما سفحه مرسى وعشيرته من بط وحمام و«سى فود»، لكن لعلك لم تلحظ أن وسائل الإعلام لم تنتفض، بل ولم تنشغل أصلا بالوقائع الخطيرة التى أعلنها المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات عما يتعرض له جهازه من حملات من بعض الأجهزة التى تسمى بالسيادية لشل يد الجهاز عن التحقيق فى مخالفاتها، وهى الوقائع التى لم تنشرها وسيلة إعلام إخوانية لكى يتم تبرير تجاهلها، فقد قرأتها فى الموقع الإلكترونى لصحيفة (التحرير) يومى 14 و15 ديسمبر الماضيين، ولذلك حرصت على أن أسأل عددا من أصدقائى «المرزوعين» بحكم وقف الحال أمام برامج التوك شو عما إذا كانوا قد شاهدوا مناحات إعلامية منصوبة حول هذه الوقائع، فاكتشفت أنهم لم يسمعوا أبدا عن ذلك الحوار الخطير الذى أجراه المستشار هشام جنينة مع الزميلين هدى أبوبكر واسماعيل الوسيمى، ولذلك أتركك اليوم مع مقاطع منه لا لكى تشجعك على قراءة الحوار كاملا، بل لكى تشجعك على قراءة الصورة الكاملة للخديعة التى يتعرض لها الشعب المصرى المكتوب عليه أن يُبتلى بلصوص الثورات.
يقول المستشار هشام جنينة فى حواره: «هناك حملة ممنهجة ضد الجهاز المركزى للمحاسبات، هذه الحملة ليست جهد أفراد، ولكن جهد أجهزة بالدولة، الهدف الأساسى منها ليس شخص هشام جنينة بقدر ما هو تحجيم دور الجهاز الذى لا يوجد له نظير داخل مصر كجهاز رقابى يراقب كل الأجهزة والمؤسسات بالدولة، هذا الجهاز الذى إذا صلح حاله فسينصلح حال أجهزة ومؤسسات كثيرة بالدولة، لكن إذا غيب هذا الدور فسنعود إلى سيرتنا الأولى.. حين بدأ ينشط دور الجهاز فى ملاحقة الفساد وتقديم المتورطين للمساءلة بدأت جهات كثيرة تنزعج من تنامى هذا الدور، وهذا هو السبب وراء الهجمة على الجهاز، وحملات التشويه هى ضريبة الوجود فى هذا الموقع وأتحملها لأنها أمانة ومسئولية أمام الله وأمام الشعب.
فكرة إصباغ وضع خاص لبعض الأجهزة تحت دعوى ومسمى زائف، أراه مسمى كريها من وجهة نظرى، وغير مقبول بعد ثورتين قامتا فى البلد، وهو مسمى «الأجهزة السيادية»، ففى رأيى لا يوجد شىء اسمه أجهزة سيادية، فهذا المسمى ابتدعناه، السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، والسلطة والسيادة هما للشعب، وبالتالى لا يجوز أن أضفى حماية لا هى دستورية ولا هى قانونية وأقول مؤسسة سيادية، فلا يوجد نص قانونى أو دستورى يقول إن وزارة الدفاع أو الداخلية أو العدل مؤسسة سيادية، هذه بدعة ابتدعها المصريون.
مفيش شك إن الحملة التى يتعرض لها الجهاز من هذه الأجهزة، التى تطلق على نفسها مسمى أجهزة سيادية، تمثل رسالة تهديد للجهاز وأعضائه، فحين تروع قيادات الجهاز بهذه الصورة، ماذا ننتظر من صغار العاملين فيه؟.
المستشار محمد عبد الرحمن بكر كان لديه ثلاث قضايا يحقق فيها، القضية الأولى هى تجاوزات وزارة الداخلية وهى قضية مستمر فى التحقيق فيها، والقضية الثانية هى قضية الفساد المتهم فيها رئيس نادى القضاة أحمد الزند، للاستيلاء على أراضٍ فى ترعة الحمام، والقضية الثالثة قضية تزوير الانتخابات الرئاسية، ولكن نجحوا فى سحب قضية أحمد الزند وقضية تزوير الانتخابات الرئاسية منه، وبعدها تفهمت بعدها هيحصل إيه، وهو قال لى «أنا بخضع لعمليات ترهيب، وأنا دلوقتى فى حالة نفسية سيئة جدا، وعندما ذهبت إلى وزارة العدل رأيت أن مكتبى مغلق، وتم سحب السائق الخاص بى والموظف الذى لديه الملفات قالوا له لا تتعاون معى»، وذلك قبل أن يترك القضيتين، تزوير الانتخابات الرئاسية وقضية أحمد الزند كنوع من الضغط عليه، وبالفعل استدعاه المستشار عزت خميس ذات مرة والمستشار محمود علاء فى محكمة استئناف القاهرة فى مرة أخرى وقالا له «أحسن لك تسيب القضايا علشان هيقولوا عليك إنك إخوانى»، وهناك ضغوط كبيرة ُمورست عليه أدت إلى تركه القضيتين، وأن يروع ويهدد قاضٍ لإجباره على التخلى عن قضية، أمر فى منتهى الخطورة، لأن بهذا الأمر تمت الإساءة إلى القاضى التى سحبت منه القضية، وذلك أيضا بالمخالفة للقواعد القانونية، لأن الطريق رسم طريقا لمخاصمة ورد القاضى، ولكن ما حدث هو «فتنة»، بالإضافة إلى أنه تمت الإساءة إلى القاضى الذى ذهبت إليه القضية، لأن هذا معناه أنك اخترت قاضيا بعينه.
مسألة المجتمعات العمرانية الجديدة «شىء مرعب»، فحجم الاعتداء على المال العام والنهب لصالح مسئولين كبار فى ذلك الوقت أمر خطير، ووفقا للمعروض للإدارة المختصة فى الجهاز تقدر هذه الاعتداءات بالمليارات، والجهاز يفحص منظومة التجاوزات فى المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر والعبور والشروق، ويفحص التجاوزات من خلال فحص كيف تم تخصيص هذه الأراضى؟ وهل اتبعت اللوائح العقارية والمالية فى عملية التخصيص؟ وهل حصلت الدولة على حقوقها؟ وهل تمت مجاملة ناس على حساب المخالفة للقانون؟.. وكل هذا حدث، وتم تخصيص الأراضى لكبار مسئولين بالأمر المباشر وبالمخالفة للقواعد القانونية، ولم تحصل الدولة على حقوقها.
… هناك قضية فساد كبرى سيتم إعلانها قريبا هى قضية تتعلق بالحزام الأخضر لمدينة 6 أكتوبر، هذه قضية تتعلق بتجاوزات لأجهزة استولت على مساحة كبيرة من الأراضى الزراعية من المفترض أنها مخصصة لإقامة غابات شجرية، وفقا للمخطط العمرانى لمدينة 6 أكتوبر، فإذا بالحزام الأخضر يتم شطبه ويقسم ويخصص لكبار رجال الدولة، بدءا من مباحث أمن الدولة والرقابة الإدارية وشركات تابعة للمخابرات العامة والنيابة العامة ونادى القضاة، وكل هذه الأجهزة حصلت على ما يزيد على 33 ألف فدان فى منطقة الحزام الأخضر وأقامت عليه منتجعات وقصورا، وسيتم قريبا الكشف عن هذا الملف بالكامل، وأتوقع الهجوم علىّ مرة أخرى بعد الكشف عن هذا الملف».
يا عينى عليكى يا مصر.
المصدر جريدة الشروق