بلال فضل يكتب | تفاصيل يومية مُعتادة
أدعوك اليوم لقراءة تدوينة رائعة للروائى محمد ابراهيم استأذنته فى نشرها، لأننى وجدتها تلخص بما ترويه من وقائع حقيقية مأساتنا الوطنية التى تحولت إلى مجرد «تفاصيل يومية معتادة» كما يقول محمد فى عنوان تدوينته:
• مساء أوقفنى جارٌ إخوانى وحيَّانى، لم يرنى منذ زمن، تعاملت معه بود، بينما مر علينا عم محمود راكبا دراجته القديمة دون أن يُلقى علينا السلام، لم أعتد من عم محمود ذلك، فالرجل لم يتجاهلنى أبدا، ودائما ما يُلقى السلام بحرارة، فتعجبت وتساءلت بصوت مُرتفع، ليرد جارى الإخوانى، «ما سلمش عليك عشان واقف معايا، أصله ما بقاش يرد سلامى». عم محمود عاش فترة من الزمن على مساعدات جارى الإخوانى عندما مر بفترة عصيبة صحيا وماديا لم تساعده خلالها السلطة.
• فى إحدى مدارس الابتدائى، دخل المدرس الفصل، أخرج من شنطته صورة كبيرة للفريق السيسى وعلقها فوق السبورة، وفى خشوع طلب من التلاميذ الوقوف، ليحيوا جميعا الصورة. بينما كانت موظفة إدارية تقف فى الخارج، تتحدث مع مديرها بخبث، أنها رأت فلانة وفلانة يُلوحون لبعضهما البعض بعلامة رابعة، وأنه يجب أن يحقق معهما، أشعر أننا فى طريقنا لإصلاح التعليم فى مصر، إصلاح الطالب والمعلم.
• كنت أزور تلك السيدة المُسنة الطيبة، عادت توها من العُمرة، اعتادت أن تذهب لتزور بيت الله كل سنة، عرفتها بطيبة قلبها وحنانها، لم تنجب وكانت دائما ما تعتبرنى ابنا لها، بينما كانت مذيعة الأخبار تتحدث عن مقتل عدد من أنصار الرئيس المعزول مرسى، وتعرض بعض الصور لتلك الأحداث التى وقعوا خلالها قتلى برصاص الداخلية. وبخشوع رفعت السيدة الطيبة يديها المتوضئتين للسماء ودعت: اللَّهم احفظ مصر وانصر المسلمين واقتل جميع الإخوان. بلعت ريقى فى صمت، واستأذنتها فى الرحيل.
• «يصدقون أننا إرهابيون بينما يتم قتلنا فى الشوارع كل يوم، سنعلقهم جميعا على المشانق». مؤيد للشرعية تعليقا على رمى البعض لهم بالإرهاب.
• قبل الفجر بقليل، كانت عربات الأمن المركزى تُحيط بالمكان، كسروا الباب، كانت الزوجة مُستعدة وترتدى لباسا مُحتشما، كانت تتوقع مجيئهم، أخبرتهم أن زوجها الذين يبحثون عنه غير موجود، لم يعيروها انتباها، ولم يُخرجوا إذن النيابة الذى يجعلهم يقتحمون بيتها ليلا، بحثوا عنه فى كل مكان، لكنهم لم يجدوه، فكسروا أثاث المنزل كاملا، ثم رحلوا، لحسن الحظ لم يأخذوها هى بدلا منه، لعل صرخات أطفالها منعتهم.
• أعرفه منذ زمن، بيننا عشرة و«عيش وملح»، لكننا مُؤخرا بُنى بيننا حاجز حجرى، أصبحنا لا نتوادّ، وفى الغالب يتحاشانى، بالأمس رآنى فأقبل عليَّ مُتهلل الأسارير، واحتضننى بشدة، لم يحدث ذلك منذ سنين!، هو مازال منتميا لجماعة الإخوان المسلمين.. شعرت بخوفه، فاحتضنته بشدة مماثلة.
• سافر من الإسكندرية لحضور جنازة صديقه فى القاهرة، كان حزينا فصديقه فى مثل سنه لم يُكمل الخمسة وعشرين ربيعا، فى الجنازة مشى صامتا وتليفونه المحمول على الوضع الصامت أيضا، وعندما انتهت مراسم الجنازة أخرج هاتفه من جيبه، وجد أن أحدهم اتصل به عشرات المرات، فعاود الاتصال به فى لهفة وقلق. ليأتى صوت صديقه ليُخبره باكيا أن صديقا آخر فى نفس عمره قد وقع قتيلا فى الإسكندرية وجنازته بعد ساعة. لم يستطع اللحاق بجنازة صديقه فى الإسكندرية.
• «دول ريحتهم نتنة». من أقوال على جمعة، مفتى الجمهورية السابق.
• اتصلت بصديقى مساء، سألته: إنت فى المشرحة؟، فسألنى كيف عرفت أنه فى المشرحة. ساذج، فأنا منذ ستة أشهر كلما اتصلت به وجدته فى المشرحة.
• اعتدت السفر معه صباحا، منذ شهور كان يملأ السيارة هجوما على مرسى، والجميع يؤيدون كلامه إلا رجلا ملتحيَّا يُحدثهم عن الديمقراطية، أمس الأول ركبت بجانبه، اشتكى من حال البلد، وغلاء المعيشة، ثم مال على أذنى وهاجم السيسى بصوتٍ لا أكاد سماعه، كان خائفا، الجميع خائف.
• عندما دخل البيت، سأل والدته الجالسة أمام التلفاز: كم واحد اتقتل النهارده، أجابته: تسعة عشر. هز كتفيه ودخل ليّبدل ملابسه.
ـ بدأت العد، كانت عبارة «السيسى قاتل» مكتوبة فى كل مكان، وبين كل عبارة وأخرى، توجد لافتة مكتوبا عليها «نعم للدستور»، أشعر بتحسن، فبالدستور العجلة تدور.
• أتانى يستشيرنى، سيسافر للعمرة قريبا، كان ملتحيا بلحية صغيرة وقت التقاط صورة جواز سفره، حلقها الآن، كان يخشى أن يتم توقيفه فى المطار شكا فى كونه إخوانيا يهرب مُتنكرا، وهو لم ينتم لأى من الجماعات مُسبقا. كدت أخبره بثقه ألا يخشى شيئا، لكنى تراجعت، وبصوت متحشرج طلبت منه أن يضع جواز سفره فى غسالة الملابس ويذهب به لمصلحة الجوازات ليستخرج بدل تالف، ويضع صورة جديدة بدون لحية.
• اعتقلوه فقط؟ لم يقتلوه؟، عندما يأتيه الجواب بنعم، يبتسم، يشعر أنه فى دولة حريات.
• فى المساء كانت المدينة بين سكَّير منتشٍ بقوته، وخوفٍ يعم أرجاء المدينة ويخيم عليها. لو كان اللى فات ظلم، فاللى جاى ظلمات.
• «يا بيه كلنا بنخاف من الحكومة، اللى ما بيخافش من الحكومة الحرامية الكبار بس، إحنا على باب الله، واللى بيروح مننا محدش بيزعل عليه». بائع متجول مُتحدثا عن الشرطة.
.. بكره الثورة تقوم ما تخلى.