عمرو حمزاوى يكتب | حوار مع شاب صعيدى
الشاب: هل تدرى يا سيدى لماذا يعاود الشباب اليوم الابتعاد عن الشأن العام والسياسى، بل ولا يتابعون إلا فيما ندر مقالات الصحف وحوارات الإعلام؟الكاتب: ربما لرفضهم للخروج الراهن عن الديمقراطية ولانتهاكات الحقوق والحريات المتتالية، ربما لرفضهم تجديد دماء سلطوية الموقف الواحد والرأى الواحد والبطل الواحد، ربما لعدم استساغتهم طغيان حضور «خدمة السلطان» ومبررى سياسات وممارسات الحكم فى المساحة العامة وقمع وتعقب الأصوات القليلة المعارضة.الشاب: لا يا سيدى، السبب الحقيقى هو فقدان الشباب للثقة فى أجيال متوسطى العمر وكبار السن التى تدير السياسة والدولة وتهيمن على جميع مناحى المجتمع. لا أتحدث هنا عن مشاركين فى الحكم فقط، بل عن هؤلاء وعن المعارضين أيضا.لا أتحدث هنا عن مؤيدى المؤسسة العسكرية من كتاب وإعلاميين وسياسيين وحزبيين فقط، بل عنهم وعن أصوات ناقدة كصوتك أنت وآخرين من المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات. لا أتحدث عن النخب المالكة لوسائل الإعلام صحافة وقنوات تليفزيونية فقط، بل أشير إليهم وإلى من يعبرون عن مواقفهم وآرائهم من موظفى شبكات التواصل الاجتماعى.عنكم جميعا أتحدث، فأنتم فقدتم ثقتنا بعد أن تورطتم فى تهميش الشباب فى المساحة العامة والحياة السياسية وبعد أن أخفقتم خلال السنوات الثلاث التى تلت ثورة يناير ٢٠١١ فى دفع مصر باتجاه العدل والتقدم والحرية والديمقراطية، باتجاه دولة ومجتمع تطلعنا إليهما وحلمنا بهما وقتلتم أنتم الحلم بصراعاتكم البائسة وبعجزكم عن بناء التوافق وبالضوضاء السياسية والإعلامية الفارغة من المضمون التى دوامتم على إنتاجها ومازلتم تنتجونها مع أن الناس انفضت من حولكم.عنكم جميعا أتحدث، فأنتم أبعدتم الشباب عن المساحة العامة والحياة السياسية ويا ليتكم حققتم لنا شيئا من أحلامنا المشروعة أو قاربتم بيننا وبين الدولة والمجتمع الذين بحثنا عنهما وخرجنا لنيلهما فى يناير ٢٠١١. الحكم يهمش الشباب ويتذكرهم فقط حين تتدنى معدلات المشاركة فى استفتاء الوثيقة الدستورية، الإخوان يدفعون بالشباب إلى صراعات دموية دون أفق سياسى، وأنت والأصوات الديمقراطية الأخرى تستكينون للكتابة أو للفعل فى الساحات المتاحة لكم فى المدن وتبتعدون عنا تماما، خاصة فى المناطق الريفية وفى الصعيد الذى أنتمى إليه.هل تعتقد أن كتاباتك كافية لإقناعنا برجاحة أفكارك والمبادئ التى تدافع عنها؟ هل تعتقد أن الرفض ومعارضة الأوضاع القائمة والتعبير عن ذلك يوميا لهم أن يعيدونا إلى الاهتمام بالشأن العام والسياسى؟ بالقطع لا، هم يجعلون الشباب، خاصة المجموعات البعيدة عن تأييد الحكم الراهن، يتعاطفون معك ويحترمون ثباتك على موقفك ويرفضون الإفك الذى يروج ضدك من قبل خدمة السلطان ومنافقى كل العصور ولك تهنئتى على ذلك.إلا انك ستظل فقط محل تعاطف وربما ينظر إليك كضحية من بين ضحايا الثبات على الموقف، ثم يتم تناسيك ما لم تطرح رؤية بديلة للأوضاع القائمة شريطة أن تكون قابلة للتنفيذ وشريطة أن تنشط أنت لتنفيذها وتتحرك للدعوة إليها وتوظف جميع الوسائل السلمية المتاحة لك للانتصار لها. ستظل انت وغيرك من المدافعين عن الديمقراطية مجموعة نتعاطف معها ونحترمها، لكن لا ننتظر منها الكثير ما لم تنشطوا وتقدموا البديل وتتفاعلوا معنا بحثا عن الحلول. فمصر العادلة والمتقدمة قادمة وأن تواصل إخفاق جيلك والأجيال الأكبر منك سينحيكم دوران المجتمع وتنحيكم حركة التاريخ حتما بعيدا عن الصدارة، حكما ومعارضة، تأييدا ورفضا، خدمة السلطان وأصحاب المبادئ الرفيعة.فما كان منى إلا أن شكرت الشاب وقلت له بلغ الدرس مراده.غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر