مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب | الاحتكار الديمقراطى

عمرو-خفاجى

من الواضح أن فكر الإقصاء بات مهيمنا على الحياة السياسية المصرية، وتبدو نزعات إفساح الطريق لفكرة أو لتيار أو حتى لشخص غالبة على فكرة التنافس، أو المواجهة، فغالبية من على الساحة يطرح الاعتراض كمنهج أكثر من الإصرار على الاختيار، والغالبية تبحث عن طرق لإبعاد المنافسين، لا منافستهم، وتتكشف كل يوم حالات من فكر الاحتكار فى جميع الاتجاهات، وما كان يفعله الحزب الوطنى مازال موجودا بشكل أو بآخر فى بنية الصراع السياسى الدائر حاليا، طبعا كل ذلك على حساب التقدم بأفكار وبرامج للرأى العام، فما نسمعه فقط هو اعتراض على الآخر ورفضه، الاعتراض على شخصه أو تاريخه، لا اعتراض على أفكاره وبرامجه، لأنه حتى هذه اللحظة لم نر أية أفكار أو برامج حقيقية مطروحة على مائدة الحوار أمام الرأى العام.تتجلى فكرة الاحتكار على سبيل المثال، فى الانتماء للثورة، فهناك جماعات بعينها تعتقد أنها الثورة وأنها فقط صاحبة الحق فى ذلك، ومن دونها، ليس فقط لا يمثلون الثورة بل إنهم الثورة المضادة، وبالتالى عليهم الخروج من المشهد الحالى والانزواء بعيدا عن أى خطط للمستقبل، بما فيها جميع الاستحقاقات الانتخابية، وكأنه صار لدينا شهادات معتمدة تفرق ببن الثورة ورجالها، الثورة المضادة ووقودها، وهى قضية فى ذات الخطورة، أولا لأن ذلك ليس حاصلا بالفعل، فلا يملك أحد حق منح أو منع أحد من شرف الانحياز للثورة حتى لو لم يذهب لميادين التحرير، وثانيا يجب أن يكون ذلك متروكا لحرية الرأى العام وتوجهاته فى اختياراته لرجال الحكم ومن ينوبون عنه.لا أعرف لماذا يصرخ الجميع من أجل الديمقراطية ويمنح نفسه وفريقه جميع الحقوق، ويطالب بحجبها ومنعها عن آخرين وفقا لتقديراته وتقييماته، وهى ليست صحيحة دائما، وحتى ولو كانت صحيحة فيجب طرح ما يدعيه للاختبار العام، وغالبا يعرف الرأى العام كيف يفرز جيدا بين ما هو صالح وما هو طالح، أما إذا برروا مواقفهم بأن الرأى العام غير قادر على ذلك، فهم يسقطون فى ذات المقولات التى اعترضوا عليها والتى إشارت إلى أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية مثلما قال أحمد نظيف رئيس الوزراء قبل الثورة، وعمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بعد الثورة، وهى مقولات شهدت هجوما عنيفا من الكافة، لكن من الواضح أن هناك من يؤمن بها ولا يدرك ذلك، لأن فكر الإبعاد والإقصاء وعدم الخضوع للاختبار بدعوى جهل الرأى العام هو إيمان كامل بما كان يقوله نظيف وعمر سليمان.حقا لا أعرف ما الضرر فى ترشح عدد كبير لرئاسة الجمهورية، ولا أفهم سر رفض كثيرين لذلك، بل أعتقد أنه من الضرورى لتعميق الممارسة الديمقراطية منح الجميع فرصة ممارسة حقوقه، ومنح الرأى العام فرصة الاختيار الحر النزيه، وهذه هى القصة أن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة وبلا شوائب من أى نوع، أما ما يحدث من رفض لفكرة وجود مرشحين، أيا كانت أسباب هذا الرفض، فهذا يعنى أن لدينا عوار واضح فى الممارسة الديمقراطية، وقد سمعت بنفسى فى جلسة يحضرها كبار، من أحد المحسوبين على النخبة السياسية، وهو يطالب بإبعاد الإخوان عن الفوز فى انتخابات البرلمان حتى ولو تم تزوير الانتخابات.. وهو ما يؤكد لى مقولة نظيف وسليمان بأننا غير مؤهلين للديمقراطية حقا مع اختلاف بسيط أن الشعب ليس هو المؤهل بل نخبته وقادته وقياداته.

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *