مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب | ليس المتهم الوحيد

عمرو-خفاجى

أعلم جيدا أن أداء الإعلام المصرى، المطبوع والمسموع والمرئى والإلكترونى، عليه الكثير من الملاحظات، والاعتراضات، وتصل هذه الاعتراضات أحيانا إلى الرفض الكامل، والبعض يسب الإعلام والإعلاميين صباح مساء، ولست هنا بصدد مناقشة ذلك، لأن الأمر فعلا بالغ التعقيد، لكن ما يلفت النظر بحق، أن جميع هذه الملاحظات والاعتراضات وحتى السباب، تجد طريقها للنشر بجميع الطرق فى مختلف وسائل الإعلام، والذين يفعلون ذلك لا يدركون أنهم جزء أصيل من هذه المنظومة الإعلامية، فهل يعترضون ويسبون أنفسهم مثلا، لماذا لا يدركون أنهم يفعلون ذلك ويتواصلون مع الرأى العام عبر الإعلام الذى يعترضون عليه، بل إن بعضهم يهاجم الوسيلة التى ينطلق منها، فكم من مقالات تهاجم الصحيفة التى يكتب بها الكاتب مقالاته، وكم من ضيوف قنوات تلفزيونية يعترضون على القناة التى يطلون منها، أليسوا هم شخصيا جزءا من ذلك، أليسوا هم من مكونات هذا الإعلام، حتى لو كانت نسبتهم ضئيلة، ألا يمنحهم الإعلام فرصة التعبير عن مواقفهم، بل من أين أصلا حصلوا على المعلومات والأخبار التى يستخدمونها كدليل لاعتراضاتهم على ممارسة الحكومة، أليس الإعلام هو ناشر هذه الأخبار؟

الأكيد أن الإعلام مثله مثل بقية المؤسسات، أصابه عطب وعفن وارتباك، فهو ليس ابن أيام أخرى، وهو أيضا ليس نتاج مجتمع آخر، وهو يشبه حال كل شىء، الحكومة والمعارضة والمجتمع المدنى، فكل ذلك ابن الظروف والأحداث نفسها، نتاج التعليم ذاته، فلماذا يكون الإعلام هو الاستثناء، لماذا ينجو هو فقط من كل الخطايا، وهل هناك إعلام جيد بلا سياسة جيدة، هل هناك إعلام منضبط دون وجود ساسة منضبطين، هل سيخترع الإعلام أحداثا غير موجودة أم يتجاهل الحاصل فعلا، حتى ولو كان سخيفا وسقيما، لماذا هذه الحرب الجائرة على الإعلام، طبعا كل هذا لا يعنى أن الإعلام جيد، أو أنه بلا أخطاء، لكنه مثله مثل غيره لا ينفرد بالجرائم وحده، بل هو شريك تابع لجرائم الساسة والمسئولين، فأيا كانت أخطاء التناول، فهى أولا وأخيرا تتناول ما يقوله الساسة وما يفعله المسئولون.

تحميل الإعلام جريرة كل شىء لن يعفى رجال الفكر والسياسة من أخطائهم، فهم الشريك الأكبر فيما وصلنا إليه، ولن يصدق أحد أن الإعلام يخترع كل شىء، بعض الوسائل ربما لها خطاياها، بعض الإعلاميين لهم جرائمهم، لكن التعميم ظالم لمؤسسات تبذل جهودا حقيقية لتقديم ما يحدث للرأى العام، هناك شباب يحاول فعلا تقديم الحقائق ويحترم عقول متلقى هذه الحقائق، ولو راجعنا نسبة الإعلام الكاذب أو حتى الموجه، سنجدها نسبة ضئيلة لا تساوى شيئا بجوار الأخبار والحقائق التى تتدفق عبر جميع الوسائل خلال ساعات اليوم، ربما كانت الممارسات الإعلامية غير الأخلاقية قد شغلت الرأى العام، لكن ذلك لا يعنى أبدا أن كل وسائل الإعلام على هذه الشاكلة، والتعميم هنا جريمة، والفرز واجب وضرورى قبل أن يرتاح الجميع لفكرة تحميل الإعلام كل الخطايا والأخطاء، نعم هناك خلل فى الإعلام.. نعم الإعلام متهم.. لكنه ليس المتهم الوحيد..و يا أيها الساسة وأصحاب المواقف والأفكار قبل أن تحاسبوا الإعلام حاسبوا أنفسكم أولا فأنتم طعام الإعلام وشرابه.

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *