عمروخفاجى يكتب | الفضيلة الغائبة
لم أفهم اعتراضات البعض على قرار حمدين صباحى بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وقرار عبدالمنعم أبوالفتوح بعدم ترشحه لذات الانتخابات، فكلاهما ــ حمدين وأبو الفتوح ــ استجابا لظهيريهما الجماهيريين، حمدين استجاب لضغوط قطاع كبير من التيار الشعبى يرى فى ترشحه وعدا منه وحلما منهم، وهى ضغوط غير ممنهجة داخل آلية سياسية، ضغوط واضحة منذ فترة ترى أن الترشح والمنافسة هما الصواب من وجهة نظرهم لمستقبل بلادهم، فى مقابل قرار أبوالفتوح عبر آلية حزبية رأت ضرورة عدم ترشحه لأنها ترى عوارا فى الحياة السياسية وفقا لتجاربهم، شباب التيار الشعبى رأوا ضرورة المشاركة ومواجهة المنافسين بما لديهم من أفكار واعتقادات سياسية، بالطبع هم لا يضمنون الفوز، لكن على الأقل يعلمون جيدا أن هذه المنافسة ستضمن للتيار الشعبى وجود حقيقى فى الشارع السياسى ربما يستفيدون منه فى معركة الانتخابات البرلمانية، بينما فضل فريق أبوالفتوح الانسحاب من الساحة وتسجيل موقف، كما صاغه مرشحهم فى المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه قراره.
ردود أفعال المحللين والمراقبين، وكثير من القوى السياسية، تكشف الغياب التام لعقيدة التنوع فى المجال العام، فمن الواضح أن الغالبية ترتاح لأفكار شمولية، مع ضرورة الإجماع، ربما يكون ذلك ناتجا عما حدث فى الانتخابات الرئاسية الماضية، لكن الأكيد أننا لم نتخلص بعد من الثقافة السياسية التى كانت سائدة قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، خصوصا بين قادة العمل السياسى، وإن كنت أتفهم لحد بعيد مواقفهم، والتى ترسخت عبر عهود وسنوات طويلة لم يعرفوا فيها غير ذلك، وأعتقد أن شباب حمدين وشباب أبوالفتوح أكثر نضجا من الساسة التقليديين، بمن فيهم حمدين وأبوالفتوح، فضغوط الشباب تعبر عن حيوية حقيقية وإيمان راسخ بضرورة التغيير، بما فى ذلك تغيير طريقة التفكير فى حدث سياسى كبير بحجم الانتخابات الرئاسية، رغم السياق الصعب الذى ستتم فيه هذه الانتخابات.
حالة رفض التنوع، التى يصر عليها البعض، حالة مؤذية للحياة السياسية المصرية، لأنها ترسخ أكثر للماضى من حفرها لسكك جديدة بحثا عن مستقبل مغاير، ويبدو رافضو التنوع فى حالة ذعر دائم من أى تغيير، فهم يطلبون ما يعرفونه، ولا يقدرون على ممارسة المغامرة، على العكس تماما من الشباب الذى قرر الإعلان عن نفسه، سواء بالرفض أو القبول، ويبقى على كل فريق منهم كيفية الاستفادة من هذه المواقف لمستقبلهم، طبعا الذين قرروا المواجهة (فريق حمدين) لديهم فرص ومكاسب عدة، بل فى نهاية المطاف، وحتى فى حالة خسران مرشحهم لهذه الجولة، فلديهم مكسب خبرة الاحتكاك بالشارع والتغلغل فيه بما يبنى قاعدة لهذا التيار، بينما لن يربح الذين قرروا الانسحاب من المواجهة، سوى مكاسب تسجيل الموقف العنيف تجاه النظام، المشكلة فقط أنهم سجلوا موقفا ضد نظام مؤقت سيختفى فور إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، لكن سيبقى لهم الموقف باعتراضهم على شكل السياسة وممارسات النظام فى هذه اللحظة، طبعا لديهم حساباتهم الخاصة، وعلينا أن نقبلها، سواء تعاطفنا مع موقفهم أو لم نتعاطف معه.
إن مكسب قبول التعددية، فى تقديرى، سيكون أحد أهم المكاسب التى يمكن أن نحققها من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهنا تبدو المسئولية، ملقاة بوضوح على عاتق الإعلام، فإما أن يكون جادا ومخلصا فى التعبير عن التنوع والتعددية، والتخلص من الانحيازات الشمولية، وإما أن يستمر فى لعبته العتيدة بنفاقه للرأى العام ويستحيب لأحادية مزاجه العام فىأثناء الانتخابات، ساعتها سنكتشف أننا أجلنا مهمة كان يجب إنجازها الآن، وتأخيرها لن يجعل لأى فوز طعما، فالفوز الذى نبحث عنه حقا هو التعدد والتنوع وقبول الآخر، لا الإصرار على رفض كل من يخالفنا.. مرة أخرى لن يبنى مصر تيار واحد أو فريق بعينه.. وبالرغم من أن تعبير (مصر لكل المصريين) فقد الكثير من معانيه إلا أن الرجوع إليه فضيلة مازالت غائبة.