وائل عبد الفتاح يكتب | هل ستكون مسرحية؟
بعيدا عن التسريبات والعلن..
عن الفرق بين إعلان حمدين صباحى الترشح.. والغموض الذى يحيط بقرار المشير السيسى… الذى نقل عنه أو تسرب من شخصيات التقت به لكنه لم يعلن.
وبعيدا عن دخول أطراف خارج مصر/ أو إعادة ترتيب الخريطة داخل مصر… والتجاذبات بين الداخل والخارج.
بعيدا عن كل هذا حاولت التفكير فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وكان أول نتاج التفكير ما كتبته فى افتتاحية «السفير» هذا الأسبوع.. ورأيت أنها لن تكون مسرحية ولو أرادت قوة ما ذلك… فكروا قبل أن تنتابكم الهستيريا وتنتابكم كوباءٍ جماعى.
1 – إذا كان هناك جديد بعد ٣ أعوام من سقوط التمساح المصرى… حسنى مبارك..
فإنه عدم قدرة أى طرف على أن يبنى حول نفسه دولة سلطوية جديدة، حتى لو كانت خرافات هذه الدولة حاضرة. إلا أنها أصبحت عودتها من المستحيلات لا على النموذج الرومانى ولا الباكستانى.
هناك موديل مصرى يتشكل لدولة ما بعد الثورات/ أو ما بعد مراحلها الأولى/ ستتغير فيه ألواح القوة لتقبل الدولة القديمة عدم سيطرتها على المجال العام. ستستعيد فى ظل الاحتياج للأمن بعضا من مبررات السيطرة، لكنها ستفقد نهائيا خطاب الهيمنة/ وستضطر إلى ترك المجال العام مواربا أو مفتوحا لقبول تيارات وسطية/ أو قابلة للتفاهم والحوار.
الموديل ليس مجربا من قبل/ وهذا ما يمنح كل خطوة فى مصر شكل المغامرة ومذاقها. فبعض من تصوروا أن أمر الرئاسة محسوم بعد تسريبات السيسى بالرغبة فى الترشح… شعروا بالقلق من تأخر الإعلان الرسمى… خصوصا بعدما أعلن حمدين صباحى رسميا عن ترشحه للرئاسة.
هنا لم تعد الانتخابات الرئاسية مجرد مسرحية.
2- دخول حمدين صباحى مربك لأطراف عديدة من بينها حمدين نفسه… فهو يدخل الحلبة ومعه «سابقة أعمال» وكتلة تصويتية فى الانتخابات التى أتت بمحمد مرسى. كما أنه ابن تيار ناصرى يؤيد ترشح السيسى باعتباره طبعة حديثة من عبد الناصر أو سيقود تيار إحياء الناصرية بعد «ردة» السادات وخليفته مبارك.
ناصرية ضد ناصرية، هكذا سيبدو الصراع فى أحد وجوهه، وضع التيار الناصرى بمخزونه الشعبى غير المنظم على المحك نفسه الذى وضع عليه التيار الإسلامى فى انتخابات 2012… أى أنها انتخابات مصيرية ترث فيها الناصرية موقع الإسلاموية مع اختلاف التركيبات والتواريخ، وأيضا مع الاتفاق على أنهما تجربتان متجذرتان سياسيا فى مجتمع أُلغيت فيه السياسة.
بمعنى آخر الانتخابات القادمة ستكون اختبارا لنصف المعادلة التى استبدلت بها السياسة بكيانات سلطوية/ هوياتية تتبادل سلطتها داخل وخارج السلطة.
النصف الناصرى/ أو آخر ما يطرحه موديل الدولة الناصرى سيدخل الاختبار بعد فشل النصف الإسلامى، وبعد سنوات عاش فيها الناصرى والإسلامى غريبا على السلطة باختطافها من ورثة صنعوا خلطتهم من فتات الأيديولوجيات السلطوية، لتصل بعد الثورة إلى الوريث الإسلامى منتقما من تراث هزيمتهم فى مواجهة الناصرية.. وها هو وريث ناصرى جديد سيتقدم منتصرا فى معركة السلطوية.
3- من سيكون؟ المدنى أم العسكرى؟
فرص السيسى أعلى بالطبع/ فهو البطل الشعبى الذى يتحلق الخائفون من الإخوان حوله، كما أنه على رأس مؤسسة هى الباقية من انهيارات الدولة.
لكن الأمر لا يسير على طريقة المسرحيات الهزلية/ ولا يمكن حساب النهاية بمنطق نهائى ومسيطر ومحكم/ فالشعبية ليست دائمة/ والمزاج العام ليس كتلة صماء لا تتغير أو لا تتأثر… كما أن الخوف من الإخوان إن لم يذهب تماما أو ينتقل إلى مرحلة التعاطف «عند قطاعات لا بأس بها»، فإنه لم يعد محركا سياسيا كافيا مع مرور الزمن.
كل هذا يصب فى أنها لن تكون مسرحية. أى أنها لن تتم وفق خطة مكتوبة مسبقا، وهذا على ما يبدو يسبب إزعاجا وعدم راحة بالنسبة لعقلية عسكرية تعمل وفق الإجماع/ وعدم المخالفة/ وطلب الطاعة وهى عناصر لا وجود لها فى السياسة والانتخاب.
كما أن الحرص على تماسك المؤسسة العسكرية نفسها يجعل من احتمال ترشح الفريق سامى عنان رئيس الأركان السابق، يحمل إزعاجا على مستوى «وحدة المؤسسة»، خصوصا مع إعادة ترتيبها بعد انتقال السيسى إلى المجال السياسى، وهو ترتيب تطالب فيه القيادات المبعدة أيام محمد مرسى بالعودة.
وإذا تمت إضافة البعد الخارجى أى المتعلق بأمريكا والحليف الخليجى/ فهناك ما يمكن اعتباره عدم ترحيب من وصول المشير السيسى إلى الرئاسة تحت شعارات بطولية تعتمد على معاداة الغرب وأمريكا.
الحليف الخليجى أساسى بالنسبة لتلبية مطالب عاجلة وبناء استقرار اقتصادى سيكون العنصر الحاسم فى تمتين سلطة الرئيس القادم/ وهذا سر رحلات التطمين على كل المستويات «رئيس الحكومة حازم الببلاوى إلى السعودية ورئيس الأركان صدقى صبحى إلى الإمارات».
ليست مسرحية ولن تكون، لأنها ستدخل عناصر الشباب عبر دعم قطاعات من بينهم للمرشح المدنى/ وتوسيعهم المجال السياسى بالحركة فى الانتخابات/ إضافة إلى عناصر أخرى تفرضها تحالفات الخليج مع تكوينات مالية فى مصر بما لديها من شروط وطلبات تختلف عن بقايا التركيبات المالية القديمة، التى تمثلها كتلة أثرياء الأرياف التى دعمت أحمد شفيق فى انتخابات 2012.
هذه الخلخلة هى جزء من الموديل المصرى.