عمرو خفاجى يكتب | تحالف مع الماضى
لم يتوقف الجدل خلال السنوات الثلاث الماضية، عن مفاهيم الصراع الجيلى فى مصر ودور الشباب وتمكينهم، مع الإشارات المتكررة لدولة «العواجيز» التى تحكمنا، وطبعا لم يخلص هذا الجدل لشىء حتى الآن، أولا لأن الموضوع لم تتم مناقشته بجدية، وثانيا ازدحام الأحداث وتباينها خلق واقع جديد طرد هذه النوعية من الجدل من ساحة النقاش العام، ليتبقى أمامنا عنوان وحيد بليد اسمه صراع الأجيال، يبدأ من ضرورة إحالة من يصل إلى سن الستين للتقاعد، من أجل منح الفرصة للشباب، وينتهى عند الأفكار المسنة التى يطرحها الكبار، وبينهما ملاحظات دائمة عن غياب الشباب من مواقع القيادة والمسئولية.
الأكيد أننا لا يمكن أن ننكر فكرة صراع الأجيال، والتى هى بالضرورة عبارة عن مجموعة من صراعات الأفكار الجديدة والقديمة، وإذا أضفنا مكون الثورة لهذا الصراع، فسنكتشف بسهولة حقيقة الأمر وطبيعة الصراع التى بدت لنا فى الكثير من المواجهات والأزمات، معركة حقيقية بين الثورة والاصلاح، بين التغيير الشامل العاجل، وبين التغيير الجزئى البطىء، الشباب ينتمون للفكرة الأولى، خاصة أنهم فى مقدمة ضحايا الواقع، بينما الأجيال الأكبر سنا يدعون الحكمة بطبيعة الحال ويصارعون من إجل التغيير بهدوء.
المشكلة أن هذا الصراع، الذى كان واضحا فى بدايات الثورة، سرعان ما انطفأ مع نشوب صراعات أخرى وطرح أسئلة بديلة لفكرة صراع الأفكار الجديدة والقديمة، فقد أطلقت الثورة لجام جميع الصراعات والثنائيات التقليدية والتى كانت مخبأة فى ثنايا جميع الأنطمة التى أعقبت ثورة يوليو وما نتج عنها، المدنى/ العسكرى، المدنى/ الدينى، العلمانى/ الاسلامى، الليبرالى/ الاسلامى، أو خلق معارك نشأت مع الثورة، النظام الجديد/ النظام القديم، الثورة/ الفلول، وهكذا فى ثنائيات متكررة تتنكر فى صفات وأسماء متباينة، فتاهت قضية الشباب بعد أيام قليلة من تنحى مبارك وبدء الحديث عن تكوين النظام الجديد، بالرغم أن الجميع أعلنوها ثورة شبابية فى البداية، ثم سرعان ما تنكروا للاثنين.. إنها ثورة وانها شبابية، ومع مارس أصبحت إسلامية، وعند شهر أبريل بدأ إلقاء القبض واعتقال الشباب.
ومع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة، لم تظهر قضية الشباب فى الآفق حتى الآن، وكأنها كانت قضية عابرة هامشية غير أصيلة فى متن الثورة، أو فى موجاتها المتعددة، وهنا تحديدا، فى تقديرى، تتجلى فكرة صراع الأجيال، فبغض النظر عن الاتجاهات أو الأيديولوجيات، كانت الانحيازات واضحة خلال السنوات الماضية ضد هؤلاء الشباب، فمرسى لم يتذكرهم إلا فى الخطاب الذى سبق رحيله، بدأ يتحدث عن مشاركتهم فى الحكم، بالرغم من أنه وجماعته لم يلتفتوا لهم مطلقا بدءا من انتخابات برلمان ٢٠١١، حيث تحدث الاخوان طويلا عن التحالف مع شباب الثورة، ثم اختاروا فى قوائمهم كبار الأحزاب التقليدية مثل حزب الكرامة، وعثروا على مرشحين تخطوا الستين، والآن حتى الكلام عن الشباب اختفى، وهو ما يعنى أننا نسعى لتكرار ما حدث خلال السنوات الماضية، دون أن نلتفت مجددا إلى أن هناك جيلا جديدا تحرك يبحث عن حظوظه واستحقاقاته، ولا يمكن تصور أى مستقبل قريب بدونهم.. فلماذا لا نفهم ذلك ونصر على التحالف مع الماضى برجاله وأفكاره؟.