أيمن الجندى يكتب | عاطف
وضع عاطف حقائبه فى شنطة السيارة. وعاونه شريف بأريحيته المعتادة. شكره فى امتنان ثم جلس بجواره فى المقعد الأمامى. أما عروسه آمال فجلست فى تحفظها المعتاد بالمقعد الخلفى. وانطلقت السيارة وتتابعت ملامح المدينة العجوز، لكنه لم يكن مستعدا إلا لرؤية الجمال المطلق. تعكس عيناه حيرة عاشق يريد أن يتملك معشوقته. ثمل بالنشوة وراح يتشرب رائحة جسدها العالقة بثيابه. أليس مدهشا أن تختبئ تلك الملاحة خلف الثياب الساترة! هو وحده الذى تحركت مشاعره منذ أن أبصرها. وانطفأ قلبه حين تذكر الصدود والوجه النافر. واقتحمته الأفكار وناوشته الذكريات الأليمة. لكنه صمم على السعادة بإرادة حديدية. يكفيه أنه تزوجها فى نهاية الأمر.
التفت إليها مداعبا، لكنها ردت فى تحفظ. وقرأ فى عينيها أنها تؤثر الصمت. اجتاز شريف بوابة الطريق الصحراوى. وانطلقت السيارة لتأخذ سرعتها القصوى. وراح يثرثر مع صديقه الذى تطوع بتوصيله إلى الإسكندرية، بعد حفل الزفاف بيومين. حجز بضع ليال فى فندق فلسطين بمنتزه الإسكندرية. أملا فى أن تفلح غابات اللون الأخضر وأحواض الورد، والشرفة القابعة فى أحضان البحر فى إذابة تحفظها. ولعل نسمات البحر المنعشة تفتح أبوابها الموصدة. منحته جسدها ولم تمنحه قلبها بعد. وانطفأ وجهه حينما تذكر ملامحها النافرة وهو يتقد فى نشوة سماوية. ورغم أنه تمادى فى النشوة والاقتحام، فإن كل شىء برد فجأة، وأحس بالذعر والذل. كانت أقرب ما تكون منه وأبعد ما تكون عنه.
وضاق شريف بالصمت فشرع يثرثر. وأسعده أنها تنصت إليه. وأراد أن يرفع الكلفة لعلها تشعر بالمؤانسة. وانطلق شريف يحكى بعض المواقف الطريفة، وسمعها تضحك مرة أو مرتين. وشرد هو فى أفكاره. كانت هذه هى المرة الأولى التى يتعلق بامرأة على هذا النحو الخارق. وحين لم تبد ميلا نحوه عذرها. فهو يعلم أنه منطفئ ولا يروق للنساء عموما. ملامحه عادية وحديثه ممل. لكنه كان يملك أعماقا لا قرار لها، وقلبا مترعا بأناشيد الحب. وكان يأمل أنها حين تعرفه على وجه الحقيقة فسوف تستجيب له.
لكن ذلك لم يحدث. وكلما اقترب منها ابتعدت عنه، وكلما طلب يدها رفضته، وأحس بأنه روح ملعونة هائمة فى الظلام، محرومة من راحة اليأس. واندفع فى طريقه الوعر مخمورا باليأس والجنون حتى أذهله اتصال أبيها بأنها وافقت.
وقال شريف شيئا ما لم يسمعه ولكنه سمع ضحكتها. وأزعجه أن لها رنينا مختلفا. والتفت بسرعة فوجدها تضحك فى غير وقار وقد ارتسم على ملامحها تعبير أذهله. وقرأ فى عينيها أنها معجبة بشريف وتتمنى لو كان زوجها.
واستدار إلى شريف متأملا، فوجده وسيما لامعا يعجب النساء. وبدا أنهما يتبادلان الحديث بألفة لم يستطع أن يصل إليها رغم كل ما فعل.
كان شريف يتحدث بمرح. ولم يخالطه شك فى سلامة طويته وصدق إخلاصه. لكنه أدرك الآن أنه أخطأ خطأ قاتلا حين أصر على الزواج بامرأة لم تتحرك مشاعرها نحوه.
لماذا وافقت فى النهاية أن تتزوجه؟ ربما ضغوط أهلها الذين احترموه، ربما لأنه أفضل من أى عريس آخر! ربما خوفا من العنوسة أو نصائح صديقاتها. ربما أى شىء غير أنها أحبته.
وانطفأت قناديل قلبه تباعا، ولم يعد يسمع شيئا مما يدور فى السيارة، وتقوض عاطف فى مقعده، شاعرا بذل واضطراب ويأس، عاجزا عن تبين الخطوة القادمة. ماذا يفعل؟ ماذا يفعل؟