مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب |  ولّوا وجوهكم شطر الخارجية

عمرو-خفاجى

الأداء الذى قدمته وزارة الخارحية خلال الفترة الماضية يكشف عن كفاءة حقيقية فى هذه الوزارة، فالتحدى الذى واجه مصر لم يكن فقط تحديا على المستوى الداخلى، بل على العكس تماما كانت التحديات الخارحية هى الأكبر والأصعب والأهم، ليس فقط لأن الموقف الدولى كان لديه الكثير من التحفظات على ما حدث فى مصر، لكن لأن السياسة الخارجية المصرية كانت تمر بمحنة حقيقية نتيجة اختلاط أوراقها وتوزعها على عدة جهات أثناء فترة حكم مبارك، وكانت تقريبا هذه السياسة تدار من مكتب الرئيس شخصيا، وبعض الملفات لم تكن تعلم عنها الخارجية شيئا، لذا فإن ما فعله نبيل فهمى عبر ستة أشهر كان كبيرا وجيدا، خاصة أنه يعمل فى إطار إعادة بناء السياسة الخارحية وفقا للمصالح المستقبلية، والإنجاز بالمناسبة لا يتوقف عند قصة التوازن الدولى بتنشيط العلاقات المصرية ــ الروسية كما يعتقد البعض، إنما يمتد لجميع الملفات الحيوية، سواء الإبداع الجديد فى تطوير العلاقات مع دول آسيا، خاصة مع قواها الكبرى، اليابان والصين والهند وكوريا، أو العودة إلى الحضن الأفريقى من جديد، رغم صعوبة الوضع والعداء الواضح من بعض الدول التى وجدت فى ارتباك المشهد المصرى فرصة حقيقية لكسب المزيد من السيادة فى القارة التى صارت مطمعا لجميع الدول، والكيانات الكبرى فى العالم.

وربما كان من أهم ما فعله نبيل فهمى، أنه أعاد صياغة العلاقات الإقليمية والدولية، وفقا للمصالح المصرية ومفاهيم أمنها القومى، دون أن تكون إعادة صياغة العلاقات عاكسة للصراعات الداخلية، بل إن بناء العلاقات الجديدة جاء بعيدا تماما عن أى انحيازات لأى قوى داخلية، علاقات تعبر عن الموقف المصرى ومصالحه وأمنه، أى ما كانت هوية أو أيديولوجية من يحكمه، وبصراحة فإن كل ما حدث يجب الحفاظ عليه من أى فصيل أو تيار سيتولى المسئولية، لأنه لا يمكن قبول فكرة تغير مصالح مصر الكلية أو أمنها القومى بتوجه من فى قصر الرئاسة، لأنه من المفترض أن تكون هذه السياسات ثابتة، على الأقل فى استراتيجياتها، ويترك كل ما هو تكتيكى لمن فى سدة الحكم ليحقق المصالح المصرية المتفق عليها سلفا، والمفترض أنها لا تتغير بتغير شخص أو انتماء الرئيس، وهو للأسف ما كان سائدا قبل الثورة، وحتى بعدها فى ظل حكم الإخوان الذين كانوا يريدون إدارة الملف وفقا لتصورات شخصية ضيقة، تتنافى بالضرورة مع فكرة السياسة الخارجية الثابتة والمستقرة المستمرة.

ما يلفت النظر حقا، أن الخارجية المصرية، مازالت من المؤسسات المصرية العريقة القادرة على التماسك والإنجاز، ورغم محاولات منعها من القيام بأدوارها أثناء فترة حكم مبارك لصالح جهات وقوى بعيدا عن الخارجية، إلا أن ذلك لم يمنع أيا من الذين تولوا مسئوليتها من الحفاظ عليها وعلى جذب الكفاءات لها، وربما تكون الخارجية المصرية المؤسسة الوحيدة، تقريبا، التى لا يسمح الالتحاق بها إلا عبر امتحانات واختبارات، وبالتالى صارت الكفاءة معيارا مهما فى القبول، وبالتالى عندما تصدى نبيل فهمى لمهمته، وجد الكثير من العقول والكفاءات التى شاركت بجدية فى إعادة صياغة السياسة الخارجية المصرية، وترسيخها، ولا يبقى سوى أن أشير، إلى أن هذه المؤسسة قادرة، على مد جميع مؤسسات الدولة بكفاءات حقيقية صاحبة خبرات، وعلم ودراسة أيضا، ولا أبالغ إذ قلت إن أجيال الخارجية الجديدة مدهشة حقا، فمعظم هذه الكفاءات التى تبلورت وصارت جاهزة للقيادة، تدور أعمارهم ما بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين، وهم قادرون على استيعاب الحداثة وصنعها فى جميع مؤسسات الدولة، أقول ذلك لكل من يدعى بأن مصر خالية من الكفاءات.. فقط ولوا وجوهكم شطر الخارجية وستعرفون أن هذا البلد ملىء فعلا بالكفاءات.

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *