أيمن الجندى يكتب | كيف تفهم المرأة؟
شكر (خاص للمهندسة/ شيماء على التى أفادتنى تدوينتها فى فهم الكائن اللطيف الذى يُدعى المرأة).
بعد يوم طويل حافل بالعمل أحس محمود بأن رأسه يزن طناً وبأنه غير قادر على مواصلة العمل. نظر فى وجوم إلى الملفات المتراكمة فوق مكتبه والتى تنتظر أن ينجزها. كانت أصباغ الغروب تلون الأفق وترامت إلى مسامعه أصداء الأذان البعيدة. معظم الموظفين قد غادروا مكاتبهم والبعض مازال عاكفاً على عمله. واجتاز البوابة الزجاجية إلى ممر طويل تحيط به الحدائق الجانبية. وعن مقربة يوجد شبح امرأة مختفية فى العتمة. تجاوزها ولكنه تجمد مكانه حين سمعها تناديه.
نظر نحوها مستطلعاً، كانت تعمل معه فى المؤسسة نفسها. ظلت تحدق فى الأرض باستمرار متجنبة أن تلتقى عيناها بعينيه. وتأملها فوجد أنفها محمرا وجفنيها وارمتين كأنها كانت تبكى حالا. وهبت ريح باردة جعلتها ترتجف. قالت بصوت جريح: «محمود. لم أكن أنوى أن أكلمك ولكن من حقك تفسير لتصرفاتى». ورمقها بدهشة وظل صامتا فى انتظار الكلام.
قالت: «طبعا أنت لاحظت تغيرا فى تصرفاتى معك. ولعلك تساءلت عما غيرنى! ولماذا صرت أتجاهلك! ولعلك قلت لنفسك إننى كسائر النساء تصرفاتى غامضة وغير مفهومة».
غمغم محمود بشىء، لكنها لم تعطه الفرصة. قالت فى أريحية: «سأكون متسقة مع نفسى، ولن أنكر مطلقاً أننا، معشر البنات، تصرفاتنا غريبة ومشاعرنا معقدة، وأحيانا لا نفهم أنفسنا تماما، ولكن على جانب آخر فإن تصرفاتنا الغريبة لها تفسير واضح ومحدد، حتى لو لم يفهمه الرجال، فإن أى امرأة تفهمه».
هز محمود رأسه فى اهتمام: «كقاعدة أكثر شىء يهم الأنثى هو الاهتمام. البنت تهتم بكل من تحب. زعلان! تعبان! صامت! متغير! ولذلك تتوقع الاهتمام من الرجل الذى يحبها. وتحزن جدا إذا لم يحدث. الحب عندها أن الإنسان الذى يحبها يهتم بكل شىء يخصها، من أصغر حاجة لأكبر حاجة! فهمت؟».
هز محمود كتفيه، فأردفت: «لما تشوف البنت نكدية فده لإنك ببساطة عملت حاجة ضايقتها. والأسوأ من كده إنك تكون مالاحظتش إنها متضايقة. ده بيعطيها إحساس إنك مش مهتم أصلا، وبالنسبة لكائن مثلها، الاهتمام فى أعلى أولوياته، ده شعور سيئ جدا. والأسوأ أنها تضطر لطلب الاهتمام بنفسها! فهمت؟».
أومأ محمود برأسه، دلالة أنه فهم. قالت فى لهجة قاطعة: «مهتم يعنى حاططها دايما على قايمة أولوياته. مهتم يعنى بيسمعها لما تكون متضايقة. مهتم يعنى لما تاخد رأيه فى حاجة يحاول يساعدها. الأنثى محتاجة تحس بالأمان وبتفضل تدور عليه طول عمرها، لأنها بطبيعتها كائن قلق، بتقلق من حاجات كتير وبتحتاج تطمئن، ومفيش حاجة تطمنها زى الاهتمام».
سكت محمود تماما، وأحست هى بأنها كانت قاسية عليه أكثر من اللازم فقالت بمودة: «محمود. أنا دلوقت فسرت ليه كنت باتجاهلك المدة اللى فاتت. لكن خلاص أنا مش زعلانة».
وودعته فى رقة، وبقى محمود يتابعها حتى ابتلعها الظلام. كل هذا جميل جدا، ولكن المشكلة الوحيدة أنه أصلا غير منتبه لهذه الزميلة، لدرجة أنه لا يذكر حتى اسمها، ولا يتذكرها إلا حين يراها بالمصادفة، ولم يلحظ أنها كانت تتجاهله أو مستاءة منه. هز محمود كتفيه وشرع يسير. يبدو أنه مازال أمامه الكثير حتى يفهم المرأة.