أيمن الجندى يكتب | تساؤلات حائرة
المنطق يقول إن المخ، ذلك الكيان الهلامى الرائع، هو مصدر المشاعر والأحاسيس. أى أننا نشعر بأمخاخنا، والدليل على ذلك ما نراه من اكتئاب أو هوس عند اضطراب كيمياء المخ. وما درجت عليه البشرية من اعتبار القلب مصدر الأحاسيس إلا بمثابة رمز لا أكثر. ربما قادهم إليه سرعة دقات القلب عند الانفعال. وما هى إلا استجابة هرمونية عصبية.
لكن العلم ما زال يحبو فى فهم كيفية حدوث تلك المشاعر. عندما يأتينا خبر جيد أو سيئ، أو نسمع أغنية قديمة لها ذكريات معينة، فإذا بنا ننقلب من حال إلى حال. وتغمرنا السعادة أو التعاسة فى زمن لا يُذكر! كيف حدث هذا؟ هل أفرز المخ مواد كيميائية معينة تجعلنا سعداء أو تعساء! وهل سنستطيع أن نفصل هذه المادة يوما ما، بحيث نتمكن، إذا عرفنا تركيبها، أن نصنعها معمليا. وهل ستبيع الصيدليات فى المستقبل البعيد المشاعر الإيجابية فى صورة أقراص. أكثر من هذا: ربما تنشأ فى المستقبل حروب (عاطفية)؟ لا تستغرب! تصور أن يشيع اليأس والاكتئاب فى أمة تخوض حربا، هل تنتصر؟
أو ربما تكون الكيمياء بريئة مما يحدث، ونكتشف أن المشاعر ما هى نبضات كهربائية تسرى فى خلايا المخ! حينئذ لن تكون هناك أقراص، وإنما سيرتدى الإنسان خوذة ليشعر بالمشاعر الاصطناعية؟
إن فهم كيفية حدوث تلك المشاعر سيُعد الميلاد الثانى للإنسان، بعد نشوء آدم عليه السلام. فإذا كانت وظيفة العقل والإدراك منفصلة عن الشعور فإنه يمكن تصور أن يكون الإنسان عاقلا مُدركا ولكن بدون مشاعر.
هل سيقاوم العلماء وقتها غواية التحكم الجينى فى الإنسان بحيث يُولد عاقلا مدركا ولكنه لا يشعر! حدوث ذلك سيكون انقلابا هائلا لا يمكن الإحاطة بتبعاته وآثاره المستقبلية. سيتحول الإنسان إلى كمبيوتر بشرى يركز قدراته العقلية فى تطوير العلم. لأنه لن يهدر وقته كما نفعل فى الحزن والنشوة والغضب والخوف. سيندثر الشعر أو يصبح شعرا باردا حكيما. لن نقرأ أشعار الغزل وستصبح العلاقة الجنسية هدفها استمرار النسل، بدون أى عواطف جامحة. وحين يُولد الطفل ستفتقد الأم مشاعر اللهفة لكنها ستؤدى واجبها تجاه طفلها مثل أى آلة جيدة الصنع.
هل هى صفقة رابحة أم خاسرة؟ تمهل فى الإجابة ولا تتسرع. ستُحذف من عالمك مشاعر النشوة والسعادة. لن تتذوق فرحة أول دخول للسينما. ولن يدق قلبك لرؤية امرأة. لن تتلقى قبلة حانية تلقائية من أمك، ولكنها على الأرجح سترعاك جيدا. لن تشعر بنشوة لقاء الأصدقاء، ولكنك ستتبادل معهم نقاشا عقليا راقيا.
هل تشعر بالفزع من تلك الحياة الجافة؟ فكر أيضا فى الفوائد المرتقبة. لن تكابد الحزن الذى يكوى ضلوعك. لن تستنزفك مشاعر القلق. لن تسعد ولكنك لن تحزن. لن تعرف خيبة الأمل. سنخطط لحياتنا جيدا وسوف ترتقى معارفنا. كل الوقت المهدور فى المشاعر سوف نحسن استخدامه فى السيطرة على العالم المادى من حولنا. لقد صرنا آلات ذكية تعرف كيف تستثمر الوقت. وحين يأتى الموت فى نهاية المطاف لن تشعر بالخوف. الخوف كلمة لا وجود لها.
هل أنت موافق أم رافض؟ دوّن إجابتك. ربما سيكتشف جيل الأحفاد بعد عشرات الآلاف من السنين هذه الردود التى دوّنتموها، وتصيبهم الدهشة نفسها التى تصيبنا حين نكتشف أن الأجداد تنبأوا بالغواصة والطائرة.